للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لفظ معنى، ولعله يقضي عمله هذا في بضع دقائق، كل هذا بدون تصور مرجِّح في غالب تلك الألفاظ.

بل لو فكر بعد ذلك العمل أيامًا ليبين لكل لفظ من تلك الألفاظ مرجحًا لما أمكنه ذلك، والذي يمكنه من ذلك يغلب فيه التعسف بحيث يعلم قطعًا أنه عند التعيين لم يستحضر ذلك المرجح، وهذا أمر يمكنك أن تجربه إن شككت فيه، فماذا ترى في تفسير ذلك؟

[٤٤/ب] فإن قال: لابد من مرجح، إلا أنه في مثل هذا يكفي المرجح العارض والوهمي الذي يؤثر أثره في النفس بدون أن يثبته العقل.

قلنا: فلا علينا إن نسلم لك هذا، ثم نقول: إن هذه هي حال الواضع إذا كان من البشر في وضع الألفاظ للمعاني، ولا يمكنك أن تجعل ذلك علاقة للمجاز، لأنها غير معلومة ولا مستقرة. فلو اقتصر الواضع على تركيب الألفاظ وتعيينها، ثم قال للناس: يجوز لكم أن تستعملوها في المعاني للمناسبات، لما أمكنهم أن يعتمدوا ذاك المعنى في المناسبة لعدم العلم، وعدم استقراره، وغلبة الاختلاف فيه.

وبيان ذلك: أننا لو عيَّنَّا معنى، ثم قلنا لمائة رجل: ليضع كل منكم لهذا المعنى لفظًا مخترعًا لاختلفوا، حتى لقد يندر أن يتفق ثلاثة منهم على لفظ.

وكذلك لو اخترعنا لفظًا، ثم قلنا لهم: ليضعه كل منكم لمعنى.

فإن قال: أنا أقول إن الواضع لم يَكِلْ هذا التجوز إلى الناس، بل نص عليه، وقال: هذا اللفظ يصح أن يُتجوَّز به عن هذا المعنى، وهذا عن هذا، وهكذا.

<<  <   >  >>