فأما اللفظ نفسه، فإنه يكفيك أن تنطق به، فيحضر في ذهن صاحبك. وها
نحن نحضر الألفاظ المهملة بذلك كما نقول:"ضصقح لفظ مهمل".
فإن قال: إنما أريد بوضع الألفاظ لأنفسها أولًا أن الواضع بدأ فانتقى الألفاظ، وركَّبها، وجمعها.
قلنا: فهذا ليس بوضع (١)، فكيف يقتضي أن دلالتها على أنفسها هي الحقيقة؟ ثم ما الحاجة إلى أن يبدأ الواضع بجمع الألفاظ وهي عرضة له، يمكنه أن يكتفي بعمل واحد، هو أن يتصور المعنى، ثم يقتطع له لفظًا، وهكذا.
فإن قال: دعوا هذا، ولكني أقول: إن دلالة الألفاظ على أنفسها طبيعية، بمعنى أن الإنسان إذا نطق باللفظ حضر ذاك اللفظ في ذهن صاحبه بدون حاجة إلى شيء آخر. وهذه الدلالة مقدمة على الدلالة الوضعية، فأنا أسمي الدلالة الطبيعية حقيقة، والوضعية مجازًا.
قلنا: هذا خلاف ما عليه الناس في تعريف الحقيقة والمجاز. ثم قد بينَّا أن حاجة الناس إلى الألفاظ إنما هي من جهة دلالتها على المعاني، وأنه إنما احتيج إليها للدلالة على أنفسها للاستعانة بذلك على معرفة الدلالة على المعاني، كما في قوله تعالى:{اسْمُهُ يَحْيَى}. وإذا كان الأمر كذلك علم أن المعتمد في فهم كلام الناس وفهم دلالات الألفاظ إنما هو دلالتها على المعاني.
ومثال ذلك: المرايا، فإن المرآة تدل على نفسها، بمعنى أن الإنسان إذا