وأما الثاني، فشرع يذكر اسم الله، واسم غيره، بنحو ذلك.
وأما الثالث، فشرع يأكل بدون ذكر.
وأما الرابع، فموحِّد قد رأى وسمع صنيع أولئك الثلاثة، وحضر طعامه،
وهو على عجل، فقال: باسم الله، أي: ذاكرًا اسم الله آكل، أي: أذكر اسم الله لهذه المطالب التي تقدمت ونحوها، ولا آكل بغير ذكر اسمه، ولا بذكر اسم غيره، ولا دونه ولا معه.
غاية الأمر أنك قد تتردد في قوله:"أذكر اسم الله لجميع المطالب المناسبة للحال"، هل يقوم هذا مقام التفصيل، كأن يقول: اللهم لك الحمد على ما رزقتني، اللهم أعذني من الشيطان، اللهم هنئني طعامي، اللهم بارك لي فيه، اللهم اصرف عني ضرره، اللهم انفعني به، اللهم ... اللهم ...
فنقول: لا بدع في أن يرحم الله عباده، ويخفف عنهم، فيقيم تلك الكلمة مقام تلك الكلمات كلها، وهذا هو الواقع، ولكن بلفظ "باسم الله".
وبهذا عرف الجواب عن الأمر الثاني، فقد عرف من قرائن الحال، وقصد الشارع، وما ينويه المسلم= ما يتم به الكلام، كما تقولون أنتم: إن تقدير المعنى: مصاحبًا اسم الله، وإن القرينة تدل على التبرك.
وأما الأمر الثالث؛ فقد علمت أنّ قولنا:"ذاكرًا اسم الله" قد صار من حيث الدلالة على الدعاء شبيهًا بقولهم: "متبرِّكًا باسم الله"، بل أوضح منه في ذلك وأجمع.
وقد اعترض على تقديرهم بنحو ما ذكر في الوجه الثالث، فأجاب بعضهم بأنَّ ذلك خبر عن نفسه "قياسًا على ما قيل في قولك: أتكلم أنه يجوز أن يكون خبرًا عن تكلم حاصل بهذا القول".