السفيه أن يشغب بأنَّ معنى ما سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو إثباتُ أنَّ الرحمن إله آخر غيرُ الله عزَّ وجلَّ، فأخذها منه السفهاء ولَغَوا بها. وأكثرهم يعلم حقيقة الحال، ولكنَّ مقصودَهم الغلَبُ بأيِّ وجه كان، كما أخبر الله تعالى عنهم لما قيل لهم:{اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} بنوا على ذلك الشغب المتقدم، فقالوا:{وَمَا الرَّحْمَنُ} زاعمين أنه قد عُرِف عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه يعني بالرحمن إلهًا غير الله، وأنهم لا يدرون ما ذلك الإله. ثم صاروا يشغبون ويستهزئون كلَّما سمعوا من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كلمة "الرحمن" زاعمين أنه قد عُرِف عنه أنه يعني بها غير الله.
وكان مما يغيظهم من هذا الاسم وقوعُه في البسملة المخالفة لتسميتهم. فإنهم كانوا يقولون في أوائل كتبهم ونحوها:"باسمك اللهم"، فخالفهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقال:"بسم الله الرحمن الرحيم"، فيقولون في أنفسهم: إنَّ هذا الرجل إنما يريد خلافنا، هَبْه اضطُرَّ إلى مخالفتنا في عبادة غير الله تعالى لأنه يراها باطلًا، فما باله يخالفنا في هذه الكلمة التي مضى عليها سلفُنا، وليس في معناها شيء ينكره محمد، وهي:"باسمك اللهم"! فمخالفته لنا ولسلفنا فيها دليل ظاهر على أنه يحبُّ خلافَنا وهدمَ كلِّ ما نحن عليه، وإن كان يعلم أنه حقٌّ.
وهذه شبهة من شبههم تؤثِّر على من لم يكثُر منهم سماعُ القرآن أو سماعُ كلام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. فأمر الله تبارك وتعالى رسوله أن لا يجهر في صلاته بأصحابه بقراءته، ولاسيما ما كان فيه ذكرُ الرحمن، ولاسيما البسملة التي يشتدُّ إنكار المشركين بها. وذلك لئلا يسمعوه، فيلغَوا، وينغِّصوا عليه وعلى أصحابه صلاتهم.