وفزع الناس لخيل لقيت سرية لسيف الدولة ببلد الروم، فركب وركب أبو الطيب معه، فوجد السرية قد قتلت بعض الخيل، وأراه بعض العرب سيفه، فنظر إلى الدم عليه، وإلى فلول أصابته في ذلك الوقت، فتمثل سيف الدولة بيتي النابغة:
ولا عَيْبَ فيهم غَيْرَ أَنّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلولٌ مِنْ قِراعِ الكَتَائِبِ
تُوُرَّثْنَ مِنْ أَزْمَانِ يَوْمِ حَلِيمَةٍ ... إِلى اليَوْمِ قَد جُرَّبْنَ كُلَّ التَّجارِبِ
فَأَنْشَدَ ارتجالا:
رَأَيْتُكَ تُوسِعُ الشُّعراَء نَيْلاً ... حَدِيْثَهُمُ المُوَلَّدَ والقَدِيْمَا
فَتُعْطِي مَنْ بَقَى مالاً جَسِيْماً ... وتُعْطي مَنْ مَضَى شَرَفاً عَظِيْماً
المولد: المتأخر من الشعراء، وبقى: بمعنى بقي، وهي لغة لطيء، يبدلون الكسرة فتحة، إذا كانت بعدها ياء مفتوحة، ويقلبون الياء ألفا، فيقولون في رضي: رضى، وفي ناصية ناصاة.
فيقول لسيف الدولة (. . . . . . .) وتعمهم بنيلك؛ حديثهم المولد في عصرك، وسالفهم المتقدم من قبلك.
ثم بين ذلك فقال: فتعطي (. . . . . . . .) يقنعهم، وتعطي ماضيهم شرفا عظيما يدفعهم.
سَمِعْتُكَ مُنْشِداً بَيْتي زيادٍ ... نَشِيْداً مِثْل مُنشِدِهِ كريما
فما أَنْكَرْتُ مَوْضِعَهُ ولكن ... غَبَطْتُ بِذاكَ أَعْظُمَه الرَّميما
زياد: نابغة بني ذبيان، وغبطت الرجل بحاله: إذا أيدت بصيرته (. . . . . . . .)، والرميم: العظم إذا بلي وتقطع.
فيقول لسيف الدولة: سمعتك تنشد بيتي النابغة نشيدا يشبه كرمه كرمك، [ويماثل صوابك شعره]، فما أنكرت موضع النابغة من (. . . . . .) لما رفعت من قدره، ولكنني غبطت عظامه البالية بتشريفك (. . . . . . . . .).
كمل السفر والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خاتم النبيين، وعلى آله