للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال مشيرا إلى المهر الذي قاد إليه: وقد ورد المهر الذي فوق فخذه من اسمك، ومن تعليمك ووسمك، كالذي في الأعناق والمعاصم من آثار نعمك، وشواهد عوارفك ومننك. يريد أنه يسم الناس بالإحسان، كما يسم الخيل بالنيران، واعتمد الأعناق والمعاصم؛ لأنها المواضع المعتمدة من المتملكين بالوسم، وقد تقدم الشاهد على ذلك.

ثم قال: وكل من يركب الخيل معترفون بملكك، مستعدون بما أحاط بهم من فضلك، على نحو ما ركبوه مما حملتهم عليه، وامتطوه مما انفردت عندهم بالإحسان فيه، وقد شهدت لك نعمك بملكهم، وأغنتك عن تكلف وسمهم.

ولو كُنْتَ أَدْري ما حَياتي قَسَمْتُها ... وصَيَّرْتُ ثُلْثَيْها انْتِظَاركَ فاعْلَمِ

ولكِنَّ ما يَمْضِي مِنَ العُمْرِ فائِتٌ ... فَجُدْ لي بحَظَّ البادر المُتَغَنَّمِ

البادر: الفاعل، من بدر إلى الشيء يبدر: إذا أسرع، والمتغنم: المتفعل من طلب الغنيمة.

فيقول: إن الموت لا يؤمن، وطوارق الدهر لا تغفل، وهذا يحفزني إلى استنجاز وعدك، ويسرع بي إلى اقتضاء فضلك، ولو كنت أعلم مدة حياتي، لجعلت أكثرها في انتظار ما ارقبه منك، وأضمنه لنفسي عنك.

ثم قال: ولكن ما يمضي من العمر فائت لا يلحق، وما ينصرم منه ذاهب لا يدرك، فجد لي منك بحظ عاجل، أفوز به فوز البادر إليه، وأسر بموضعه سرور المتغنم الحريص عليه.

رَضِيْتُ بما تَرْضى بِهِ لي مَحَبَّةَّ ... وَقُدْتُ إِليكَ النَّفْسَ قَوْدَ المُسَلَّمِ

ومِثْلُكَ مَنْ الوَسِيطُ فُؤادُهُ ... فَكَلَّمَهُ عَنَّي ولم أَتَكَلَّمِ

المسلم: الراضي بما يفعل فيه، والوسيط: المتوسط، وهو فعيل بمعنى فاعل، من وسط يسط، والفؤاد: القلب.

<<  <  ج: ص:  >  >>