الدولة على عقبة يقال لها العيراني، رحل ولم تستقر به دار، وامتنع أهل الحدث من البدار خوفا من كمين يعترض الرسل، فنزل سيف الدولة بظاهرها، وذكر خليفته بها أنهم نازلوه وحاصروه، فلم يمكن الله من نصره عليهم إلا في نقوب نقبوها، فأتتهم طلائع بخبر سيف الدولة في إشرافه على ثغر رعبان، فوقعت الصيحة فيهم وظهر الاضطراب، وولى كل فريق على ودهه، وخرج أهل الحدث فأوقعوا ببعضهم، وأخذوا آلة حربهم فأعدوها في حصنهم، فقال أبو الطيب في ذلك يمدحه:
ذي المَعَالي فَلْيَعْلُونَ مَنْ تَعَالَى ... هكَذا هكذا وإلاَّ فلا لا
شَرَفٌ يَنْطَحُ النُّجومَ بِرَوْقَيْ ... هِ وعِزٌّ يُقَلْقِلُ الأَجْبَالا
حَالُ أَعدائِنا عظيمٌ وسَيْفُ الدَّ ... ولَةِ ابنُ السُّيوفِ أَعْظَمُ حالا
كلَّما أَعْجَلوا النَّذيرَ مَسِيراً ... أَعْجَلَتْهُمْ جِيادهُ الإِعْجَالا
فَأَتَتْهُم خَوارِقُ الأَرْضِ ماتَح ... مِلُ إِلاَّ الحَدِيْدَ والأَبْطالا
خافياتِ الأَلوانِ قد نَسَجَ ... النَّقعُ عليها بَرَاقِعاً وجِلالا
حالَفَتْهُ صُدُورها والعَوالي ... لَيَخُوضُنَّ دُونَهُ الأَهْوَالا
وَلَتَمْضِنَّ حيثُ لا يَجِدُ الرُّم ... حُ مَداراً ولا الحِصانُ مَجَالا
لا أَلومُ ابنَ لاونٍ مَلِكَ الرُّوم ... مِ وإِن كانَ ما تَمنَّى مُحَالا
أَقْلَقَتْهُ بَنيَّةٌ بين أذُنَيْهِ ... وبانٍ بَغَى السَّماَء فَنَالا
كُلَّمَا رامَ حَطَّها اتَّسَعَ البَنْ ... يُ فَغَطَّى جَبِينَهُ والقَذالا
يَجْمَعُ الرُّومَ والصَّقَالِبَ والبُلْ ... - غَرَ فيها، وتَجْمَعُ الآجالا
وتُوافِيهُمُ بها في القَنا السُّمْ ... رِ كما وافَتِ العِطاشُ الصّلالا
قَصَدوا هَدْمَ سُورِها فَبَنَوْهُ ... وأَتَوْا كَيْ يُقَصَّروهُ فَطَالا
واستَجَرُّوا مكايدَ الحَرْبِ حَتَّى ... - تَرَكوها لَهَا عَلَيْهِمْ وَبالا