للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال وهو يشير إلى سيف الدولة: وكم صبحت أخاها في منازلته لأعاديه، ومداومته لمغازيه، وكم سألته من نفوس فيما سلف من ملاحمه، وتقدم من وقائعه، فلم يبخل عليك لكثرة من قتله، ولا خبت لديه لعظيم ما فعله. وهذا من التجوز الذي لا يخفى قصد قائله، ولا يجري على الحقيقة لفظ ناظمه، وإنما أراد المتوفاة كانت من بيان الفضل، وجلالة القدر، على حال لو أن الموت يحفظ لأحد ذمة لحفظ لها ذمتها، ولو راعى وكيد حرمة، لما أخل برعاية حرمتها.

طَوَى الجَزِيرَةَ حَتَّى جَاَءني خَبَرٌ ... فَزِعْتُ فِيْهِ بآمالِي إِلى الكَذِبِ

حَتَّى إِذا لَمْ يَدَعْ لِي صِدْقُهُ أَمَلاً ... شَرِقْتُ بالدَّمْعِ حَتَّى كادَ يَشْرَقُ بِي

تَعَثَّرتْ بِهِ في الأَفْوَاهِ أَلْسُنُها ... والُرْدُ في الطُّرْقِ والأَقْلامُ في الكُتُبِ

طي البلاد: قطعها، والجزيرة: بلد يتصل بأرض الموصل، والفزع إلى الشيء: الاعتصام به، والشرق: الغصص، وتعثر الألسن: توقفها عن الإبانة، مستعار من عثار أرجل، والبرد: رجال يحملون الرسائل على دواب تتخذ لهم، الواحد منها بريد.

فيقول: طوى أرض الجزيرة خبر هذه المتوفاة مسرعا غير متوقف، ومبادرا غير متأخر، حتى طرقني بغتة، وورد علي فجأة، ففزعت بآمالي فيه إلى تكذيب صدقه، ومخادعة نفسي بأمره.

ثم قال: حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا أتعلل بانتظاره، ورجاء أخدع نفسي بارتقابه، أعلنت بالحزن، واستشفيت بالدمع، فأذريت ما أشرقني تتابعه، وأدهشني ترادفه، حتى كدت أولمه كألمي له، وأشرقه كشرقي به.

ثم قال: تعثرت الألسن بذلك الخبر في الأفواه فلم تبنه لشنعته، ولم تفصح به لجلالته، كذلك تعثرت به البرد في الطرق استثقالا لحمله، والأقلام في الكتب استراها لذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>