للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بارع الحسن، فائق الجمال، مستحسن القرب، يقبل عند قدومي عليه رحل ناقتي ووراكها إعجابا بها، ويفديها بنفسه إكراما لها.

يُحَرِّمُ أَنْ يَمَسَّ الطَّيبَ بَعدِي ... وَقَدْ عَبَقَ العَبِيرُ بِهِ وَصَاكَا

وَيَمنَعُ ثَغْرَهُ مِنْ كُلِّ صَبٍّ ... وَيَمنَحُهُ البَشَامَةَ والأرَاكَا

عبق الطيب: إذا فاح، وصاك العبير: إذا لصق، والبشام والأراك: ضربان من الشجر يستاك بفروعهما.

فيقول مشيرا إلى محبوبه الذي قدم ذكره: يحرم أن يمس الطيب بعد مفارقتي له، وأن يتصنع من الزين، لما يتيقنه من شغفي به، فيلقاني، وقد برت أليته، وكملت بقدومي أمنيته، وفاح الطيب من أردانه وعبق، وصاك العبير في أثوابه ولصق.

ثم قال: ويمنع ثغره من كل من يصبو به، صيانة وعفة، ويمنحه البشامة والأراك، نظافة وترفها.

يُحَدِّثُ مُقلَتَيهِ النَّومُ عَنِّي ... فَلَيتَ النَّومَ حَدَّثَ عَنْ نَدَاكَا

وَأَنَّ البُخْتَ لا يُعرِقْنَ إلاَّ ... وَقَدْ أَنضَى العُذَافِرَةَ اللِّكَاكَا

وَمَا أرضَى لِمُقلَتِهِ بِحُلمٍ ... إذا انتَبَهَتْ تَوَهَّمَهُ ابتِشاكَا

ولا إلاَّ بِأنْ يُصغِي وأحكِي ... فَلَيتَكَ لا يُتَيِّمُهُ هَوَاكَا

البخت: الجمال الخراسانية، واحدتها بختي، والإعراق: إتيان العراق، وبلد الكوفة الذي كان مستقرة؛ أحد العراقين، والعذافرة: الناقة الصلبة، واللكاك: المكثرة اللحم، والابتشاك: الإسراع.

فيقول مشيرا إلى محبوبه الذي قدم ذكره: يحدث مقلتيه النوم عني، يردي: أنه يتمثل له في نومه، ويتخيله في رقاده؛ لشدة حرصه على قربه، فليت ذلك النوم مثل له ما أحاط بي من فضلك، وما ظهر علي من تشريفك وبرك، فكان له في ذلك أبلغ السلوة، وفي السكون إليه أتم الأنسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>