والمراد بقوله هنا: الترتيب؛ أن يُوقع الغَسلَ، والمسح على التّرتيب الذي جاءت به آية المائدة، فيبدأ بغسل وجهه، ثم غسل يديه، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجليه، فلو قدم مسح الرأس على غسل الوجه لم يُجْزِه، ولو قدّم غسل الرجلين على مسح الرأس لم يُجْزِه، وهكذا.
إذاً الترتيب أن يوقع الأعضاء المأمور بغسلها، ومسحها على وفق آية المائدة.
وهذا الترتيب دلّ عليه دليل الكتاب: فإن الله -عز وجل- أمر بغسل الوجه، ثم أتبع الوجه اليدين، ثم أتبعهما بمسح الرأس، ثم أتبع الجميع بغسل الرجلين، والواو لا تقتضي الترتيب في لغة العرب إلا عند وجود القرائن الدالة على الترتيب، فهو ليس بأصل فيها فأنت إذا قلت مثلاً: جاء محمد، وعلي لا يستلزم ذلك أن يكون محمد جاء أولاً، ثم من بعده علي إذ يجوز أن تقول: جاء محمد، وعلي، وقد كان علي قد جاء أولاً، ويجوز أن تقول: جاء محمد، وعلي وقد جاءا مع بعضهما، لا يسبق أحدهما الآخر إذاً فالواو في قوله:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} وقوله بعد ذلك: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُم} الواو في هذه الأربع لا تفيد التّرتيب نصّاً لكن فُهِم الترتيبُ من سياقها، وذلك أنه لا معنى لإدخال الممسوح بين المغسولين إلا إرادة التّرتيب الوارد فإن الله -عز وجل- أدخل المسح على الرأس، وهو ممسوح، وجعله بين مغسولين، وهما اليدان، والرجلان، فلو كان الترتيب ليس بلازم لذكر المغسولات أولاً، ثم أتبع بالممسوح، أو ذكر الممسوح أولاً، ثم أتبع بالمغسول، فلا وجه لإدخال المسح بين الغسل على هذه الصورة إلا إرادة الترتيب بين تلك الأعضاء بحسب ورودها في الآية الكريمة.