وكانت المدارس متعددة الغايات، فمنها مدارس لتدريس القرآن الكريم وتفسيره وتحفيظه وقراءاته، ومنها مدارس للحديث خاصة، ومنها- وهي أكثرها- مدارس للفقه، لكل فقه مدارس خاصة به، ومنها مدارس للطب، ومنها مدارس للأيتام، وها هو النعيمي في كتابه (الدارس في تاريخ المدارس) - وهو من علماء القرن العاشر الهجري- يذكر لنا ثبتاً بأسماء مدارس دمشق وأوقافها، ومنه نعلم أنه كان في دمشق وحدها للقرآن الكريم سبع مدارس، وللحديث ست عشرة مدرسة، وللقرآن والحديث معا ثلاث مدارس، وللفقه الشافعي ثلاث وستون مدرسة، وللفقه الحنفي اثنتان وخمسون مدرسة، وللفقه المالكي أربع مدارس، وللفقه الحنبلي إحدى عشرة مدرسة، هذا عدا عن مدارس الطب والرباطات والفنادق والزوايا والجوامع، وكلها كانت مدارس يتعلم فيها الناس .. وإذا ذكرنا مع هذا ما كان عليه الغربيون في تلك العصور نفسها من جهالة مطبقة ومن أمية متفشية حتى لم يكن للعلم مأوى إلا أديرة الرهبان، وهي مقصورة على رجال الكهنوت فقط، أدركنا أية عظمة بلغتها أمتنا في أوج مجدها، وكم كانت حضارتنا رائعة في تاريخ المؤسسات الاجتماعية والمعاهد العلمية، وكم كان للإسلام من يد في نشر العلم، ورفع مستوى