بهذه الروح العلمية شغف علماؤنا وأغنياؤنا وأمراؤنا بالكتب وجمعها، حتى أنهم كانوا يرون نكبتهم في أموالهم وبيوتهم أيسر عليهم من نكبتهم في كتبهم.
هجم الجنود مرة على دار ابن العميد بعد أن انتصروا على غلمانه وحراسه، ففر ابن العميد إلى دار الإمارة، فوجد أن خزائنه جميعها قد نهبت، حتى أنه لم يجد ما يجلس عليه، ولا وجد كُوزاً يشرب فيه الماء، واشتغل قلبه بدفاتره وكتبه، ولم يكن شيء أعز عليه منها، وكانت كثيرة تشمل جميع العلوم، وكل نوع من أنواع الحكم والأدب، تحمل على مائة بعير فأكثر، فلما رأى ابن العميد خازن مكتبته سأله عنها فأجابه: هي بحالها لم تمسها يد، فسرّي عن ابن العميد، وقال لخازنه: أشهد أنك ميمون النقيبة، أما سائر الخزائن فيوجد عنها عوض، وهذه الخزانة - أي مكتبته - هي التي لا عوض لها.
وبهذه الروح العلمية كانوا يتنافسون في شراء المؤلفات العلمية من مؤلفيها عقب الانتهاء من تأليفها.