الكتب، وفي بعضها غرف للموسيقى، يلجأ إليها المطالعون للترفيه وتجديد النشاط - وهذا مما تفرّدت به حضارتنا - وفيها غرف لحلقات الدراسة والنقاش العلمي بين رواد تلك المكتبات. وكانت جميعها تؤثث تأثيثاً فخماً ومريحاً، وكان في بعضها غرف لطعام روادها، ومنامة للغرباء منهم، كالذي قيل في مكتبة علي بن يحيى بن المنجم، فقد كان له قصر عظيم في قرية قريبة من بغداد (هي كركر من نواحي القفص) وفيه مكتبة عظيمة كان يسميها خزانة الحكمة، يقصدها الناس من كل بلد فيقيمون فيها ويتعلمون منها صنوف العلم، والكتب مبذولة في ذلك لهم، والأرزاق مغدقة عليهم، وكل ذلك من مال علي بن يحيى نفسه. بل هنالك ما هو أطرف من ذلك مما لا نعلم له مثيلاً اليوم في أرقى عواصم الحضارة الغربية، فقد كان في الموصل دار أنشأها أبو القاسم جعفر بن محمد بن حمدان الموصلي، وسماها دار العلم، وجعل فيها خزانة كتب من جميع العلوم وقفاً على كل طالب علم لا يمنع أحد من دخولها، وإذا جاءها غريب يطلب الأدب وكان معسراً أعطاه ورقاً وورقاً، (أي كتباً ونقوداً)، وكانت تفتح في كل يوم .. فهل سمعتم حتى الآن بمكتبة في لندن أو واشنطن، أو عاصمة من عواصم العالم الكبرى اليوم تمنح الأدب والأموال لطلبة العلم؟ ..