وبعد، فلئن كانت النشوة تملأ نفوسنا حين نتحدث عن انتشار المكتبات في العالم الإسلامي في عصور حضارته الزاهرة فإن الأسى ليملأ قلوبنا حين نتذكر مصائر هذه المكتبات، وما تعرضت له من بوار وحرائق لا يمكن أن تقدر خسارة العلم فيها أبداً.
لقد أصيبت مكتباتنا بما قضى على ملايين الكتب منها بحيث فقدها العالم إلى الأبد، وهي من أثمن ما خلفه الفكر الإسلامي في التاريخ.
فنكبة التتار حين افتتحوا بغداد، أصابت هذه المكتبات قبل أن تصيب أي شيء غيرها، وكلنا يعلم أن التتار الهمج قذفوا بما وجدوا في دور الكتب العامة في نهر دجلة حتى فاض النهر بالكتب الملقاة فيه، فكان يعبر الفارس عليها من ضفة إلى ضفة، وظل ماء النهر أسود داكناً أشهراً طويلة من تغيره بمداد الكتب التي أغرقت فيه ..
ونكبة الغزو الصليبي أفقدتنا أعز المكتبات التي كانت في طرابلس والمعرة والقدس وغزة وعسقلان وغيرها من المدن التي خربها الصليبيون، وحسبنا أن نعلم أن بعض المؤرخين قدّر ما أتلفه الصليبيون في طرابلس وحدها بثلاثة ملايين مجلد.