العباسي الشهير ضيعة صغيرة يجتمع فيها على رأس كل سنة التجار من الأماكن القريبة منها، فلما عزم المنصور على بنائها أحضر المهندسين وأهل المعرفة بالبناء والعلم بالذرع والمساحة وقسمة الأرضين، ثم وضع بيده أول آجُرة في بنائها وقال: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. ثم قال: ابنوا على بركة الله، بلغ مجموع ما أُنفق على بنائها أربعة ملايين وثمانمائة ألف درهم، وبلغ عدد العمال المشتغلين فيها مائة ألف، وكان لها ثلاثة أسوار يلي الواحد منها الآخر. بلغ عدد سكانها مليوني نسمة، وبلغت عدد دروبها وسككها ستة آلاف بالجانب الشرقي وأربعة آلاف بالجانب الغربي، وكان فيها عدا دجلة والفرات، أحد عشر نهراً فرعياً تدخل مياهها إلى جميع بيوت بغداد وقصورها، وكان في نهر دجلة وحده من المعديات (المعبرانيات) ثلاثين ألفاً، أما حماماتها فقد بلغت ستين ألف حمام، وفي أواخر عهد العباسيين بها، تناقص هذا العدد إلى بضعة عشر ألف حمام، وأما مساجدها فقد بلغت ثلاثمائة ألف مسجد، وأما سكانها وكثرة العلماء والأدباء والفلاسفة فذلك فيها لا يحيط به حصر.