لا يلفت نظراً، ولا يحتاج إلى تصنع أو عناء، فقد نفذت في المساجد حيث كان يلتقي فيها الأبيض والأسود علي صعيد واحد من العبودية لله عز وجل والخشوع بين يديه. ولم يكن الأبيض ليجد غضاضة أو حرجا في وقوف الأسود بجانبه. ونفذت في الحج حيث تلتقي عناصر البشرية كلها من بيضاء وملونة على صعيد واحد وبثياب واحدة من غير تميز بين أبيض وأسود أو استعلاء من البيض على السود. بل إننا لنجد ما هو أسمى من هذا، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً الحبشي يوم فتح مكة أن يصعد فوق الكعبة ليؤذن من فوقها ويعلن كلمة الحق، والكعبة هي الحرم المقدس عند العرب في الجاهلية، وهي القبلة المعظمة في الإسلام، فكيف يصعد عليها عبد ملوّن كبلال؟ .. كيف يطؤها بقدميه؟ إن مثل هذا أو قريبا منه لا يتصور في الحضارة الحديثة في أمريكا مثلا، ولكن حضارتنا فعلته قبل أربعة عشر قرنا، فما كان صعود بلال على سطح الكعبة إلا إعلانا لكرامة الإنسان على كل شيء وأن الإنسان يستحق هذه الكرامة لعلمه وعقله وأخلاقه وإيمانه لا لبشرته وبياضه، فما يقدم الإنسان بياضه إذا أخره عمله، ولا يؤخره سواده إذا قدمه ذكاؤه واجتهاده.