بعدها، ولا تختص بأرض ولا عرق، وإنما تنشأ من العوامل السابقة التي ذكرناها. ولا تكاد أمة تخلو من تسجيل بعض الصفحات في تاريخ الحضارة، غير أن ما تمتاز به حضارة عن حضارة إنما هو قوة الأسس التي تقوم عليها، والتأثير الكبير الذي يكون لها، والخير العميم الذي يصيب الإنسانية من قيامها، وكلما كانت الحضارة عالمية في رسالتها، إنسانية في نزعتها، خلقية في اتجاهاتها، واقعية في مبادئها، كانت أخلد في التاريخ، وأبقي علي الزمن، وأجدر بالتكريم.
وحضارتنا حلقة من سلسلة الحضارات الإنسانية، سبقتها حضارات وستتبعها حضارات. وقد كان لقيام حضارتنا عوامل، ولانهيارها أسباب، ليست هي ما تعنيه هذه السلسلة من أحاديثنا، وإنما نريد قبل أن نبدأ الحديث عن روائع هذه الحضارة، أن نتحدث عن دورها الخطير في تاريخ التقدم الإنساني، ومدي ما قدمته في ميدان العقيدة والعلم والخلق والحكم والفن والأدب من أياد خالدة علي الإنسانية في مختلف شعوبها وأقطارها.
إن أبرز ما يلفت نظر الدارس لحضارتنا أنها تميزت بالخصائص التالية: