للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

استمرت في كسب الأتباع، في إيمان شعوبٍ بأكملها بالإسلام بعد سقوط القسطنطينية عام (١٤٥٣) (١). لكن فعاليتها ذهبت تخمد شيئاً فشيئاً طوال عصر ما بعد الموحدين، إلى اللحظة التي فيها دقت ساعة الاستعمار في العالم.

لقد بدأ الاحتكاك العنيف مع الحضارة الجديدة والضمير الإسلامي في أسوأ شروطه، فأوربة رجَّحت قيم الفعالية على قيم الأصالة في أسلوبها الاستعماري.

ومنذ ذلك الحين أضحى لعالمها الثقافي وجهان:

وجهٌ يلتفت إلى ذاتها بأخلاقيته الخاصة به، ووجهٌ يتَلَفَّتُ نحو العالم، وهَمُّه الوحيد الفعاليّة. والنخبة المسلمة التي تكونت عبر الجامعات الأوروبية لم تر غير وجهٍ واحدٍ، أمّا وجهها الآخر فقد حُجب عنها؛ كما يُحجب وجه القمر الآخر عن سكان الأرض.

من هنا كان في تكوينها خلطٌ يرثي له بين مظهرين متميزين لفكرةٍ واحدة: أصالتها، وفعاليتها. وهذا الخلط في نفسية النخبة المسلمة الحاضرة: هو النواة التي حولها تتجمع سائر دسائس ومناورات الصراع الفكري.

والأساتذة الكبار الذين يمسكون بأسرار ووسائل هذا الصراع: يعرفون تماماً كيف يستفيدون من هذا اللبس؛ حين يقابلون أمام أنظار شبابنا الجامعي بين أصالة الفكرة الإسلامية وفعاليتها.

ويصبح متوسط الدخل الفردي الحجة الأقوى في منطق الفعالية، والذي به


(١) القسطنطينية- أو كما تدعى اليوم (استنبول) في تركيا- مدينة أنشأها الامبراطور الروماني قسطنطين الأول (أو قسطنطين الأكبر) سنة (٣٢٤ - ٣٣٠) م. فتحها السلطان العثماني محمد الثافي (١٤٥١ - ١٤٨١ م)، وذلك في (٢٩) أيار/ مايو من سنة (١٤٣٥) م. لُقِّب بمحمد الفاتح لنجاحه في دخول هذه المدينة. وقد تابع بعد انتصاره هذا معارك عديدة، وقام بفتوحات كثيرة في أواسط أوربة (مثل النمسا والمجر).

<<  <   >  >>