نية أو لعمًى في البصيرة إنكار أصالة الفكرة الإسلامية. وحتى أتباع الفكرة الإسلامية لم يكونوا بعد الفترة المحمدية متفقين في تنظيمها الفقهي، فكان منهم السنّة والشيعة، والخوارج. لكن طابع الفكرة الإسلامية الآمر تزايد مع انتصارات السلطة السياسية، يعني فعاليتها. التي حددت ذلك المنطق العملي الذي استخدمه رُسُل عمر مع (رستم) قائد جيش الفرس عشية موقعة القادسية.
والانتصارات الباهرة التي أرست قواعد السلطة السياسية للامبراطورية الإسلامية قد نمَّت أيضاً منطق الفعالية. وهي في الوقت ذاته زادت من تعميق مفهوم أصالة الحقيقة الإسلامية في نفوس المسلمين، حتى إنه في عصر المأمون؛ وبينما كانت الحضارة تفيض على العالم بأنوارها التي كانت تسطع في بغداد وقرطبة، كان لا يزال في الإمكان قبول أو إنكار أصالة الحقيقة الإسلامية، والتي كانت بالتالي موضوع مناقشة وجدلٍ مع النصارى والصابئين في بلاط الخليفة. وفي حضوره. إنما لم يكن باستطاعة أحدٍ أن ينكر فعاليتها، من غير أن يكون مَحلاًّ للسخرية. ثم امتدت القرون في تلك المرحلة الأفقية من التاريخ حيث لا تملك السموّ أكثر من ذلك، وإنما السير بعيداً إلى منحدر أفولها.
وفي هذا العصر حيث كانت الشمس في مغيبها كانت لا تزال العبقرية الإسلامية تخرج أروع الأعمال: الغزالي، وابن رشد.
وحينما أفَلَت الشمس في (بغداد) سطع فجر مزيف في (سمرقند) مع ملحمة (تيمورلنك)(١). ولقد كان من أصالة الفكرة الإسلامية النافذة أن
(١) تيمورلنك قائد مغولي، ولد في سمرقند سنة (١٣٣٦) م. وتوفي سنة (١٤٠٥) م. في سنة (١٣٦٣) انقضّ على منغوليا وأعلن نفسه ملكاً. وفي سنة (١٣٨٨) أعلن هديه للإسلام ونصّب نفسه سلطاناً مسلماً وبدأ غزو آسيا الوسطى، وإيران، والعراق، وسورية، وتركيا. فانتصر على بايزيد الأول في أنقرة سنة ١٤٠٣م. هذا ويعدّ الغزو المغولي لبغداد الخطوة الأولى في أفول الحضارة الإسلامية وانحدارها.