للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والطائفة الثانية لم تستطع إرساء اتصالٍ مع حضارةٍ؛ لعدم فهمها لروحها العمليّة.

فافتقاد الأفكار الأصلية من ناحية، وافتقاد الأفكار الفعّالة من ناحية أخرى، جعل الشعب الجزائري يراوح ولا يتقدم.

لكن النماذج الأصلية المخذولة من هذا الجانب كما في الجانب الآخر قد انتقمت لنفسها بتلك المراوحة التي دامت نصف قرن.

والشعب الجزائري هو الذي قطع أخيراً جمود هذا الفاصل الزمني، فتخلى بالفعل عام (١٩٥٤) عن جميع قادته الروحيّين؛ لكي ينطلق وحده في طريق الثورة.

وفي الحال تحوَّل هؤلاء الأخوة الأعداء إلى (أصدقاء) حتى لا يقصيهم الشعب الذي ينوون استعادة سيطرتهم عليه. وهكذا تحالفوا ظاهرياً مع الثورة؛ لكن تحالفهم كان في الواقع مع الزعماء الذين كانوا يوزعون عليهم المنح والمكافآت في تونس والقاهرة.

وينبغي أن نلاحظ من أجل التاريخ أنه لمجرد أن انقضت في أوراس الإدارة الأولى للثورة التي سيت (بالنظام) (١) فإن الثورة لم يعد لها إدارة، وإنما أصبح لها معتمديَّة، توفر لها حاجاتها إلى البذخ والأبهة، أكثر مما تلبي حاجات المقاتلين.

ومهما يكن من أمر، فعندما يرفع الستار من جديد عن المسرح الجزائري؛ يمكن رؤية آثار ازدواجية اللغة من الموقع الأكثر وضوحاً، وهو الموقع الذي سوف يزايله الحضور الاستعماري؛ الذي لا يزال يلقي بظله عليه. حينئذ يتبدّد


(١) اتخذت السلطة الثورية هذا الاسم في الفترة البطولية للسنتين الأوليين منها.

<<  <   >  >>