فالطالب المسلم الذي يلتحق بمدرستها هو بين نموذجين: الطالب المجد، والطالب السائح.
وكالا الطالبين: المجد والسائح؛ لا يذهبان إلى منابع الحضارة، بل إلى حيث تتقطر فيها أو تلقى فيها نفاياتها.
يذهبان إلى حيث لا يجدان: حياتها، حرارتها، حقيقتها المتجسّدة في الفلاّح والحرفي والفنان والعالم، هذا الحشد من الرجال والنساء الذين يصنعون كل يومٍ في مدنهم وفي قراهم مجدها اليومي.
هذا الوجه الأساسي قد أفلت منا سحابة أجيال لأن (الأفكار الميتة) وعصر ما بعد الموحدين قد وضعا لأعيننا ما يوضع للفَرس من كمامات تمنع من إجالة الرؤية؛ فلم يستبن لنا شيءٌ آخر غير التافه والمجرد، وحتى المميت.
والآن نستطيع أن نرى بوضوح أكبر الجدل الذي نشب بين شوقي ومعارضيه، حسبها تكون إشارة الشاعر الكبير قد استلهمت الأفكار المميتة، أو أن رأي خصومه قد استلهم أفكارهم الميتة. وحينئذ سنعلم من هو المخطئ منهم ومن هو المصيب.
على كل حالٍ؛ ففي اللقاء الذي أثار هذه المناقشة قبل عشرين عاماً بين العالم الزيتوني وبيني اتفق وجود عاملٍ جزائري بسيط في باريس، قد حمل إلينا بتواضعه الذي يشرِّف الرجل الشعبي الكلمة التي حسمت المشكلة بسرعةٍ حين قال:((أعتقد أن القصة هي ذاتها قصة التطعيم الزراعي: لا يحمل الطعم (إذا حمل) ثمار الأرومة التي وضع فيها بل ثمار أرومته الأم)).
ليس بالإمكان أن نوضح مشكلة الوراثة في ميدان الأفكار بأفضل من ذلك.