ومما يسجل أعراض هذا التحول ذلك الفتور الذي فصم روح التراحم في قلب عقيل؛ أخي علي كرّم الله وجهه، في صراع هذا الأخير مع معاوية. وقد فسّر سلوكه الغريب بطريقة أغرب حينما قال:((إن صلاتي خلف علي لأفضل، وطعامي عند معاوية أكثر لذة)).
ونحن نرى هنا انفصاماً في الدافع الذاتي الذي حرّك الرعيل الأول من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا الانفصام سيكون أكثر وضوحاً بعد مرور عشرين عاماً أي عندما رضخ الحسين لإلحاح أهل الكوفة مناصري والده القدامى؛ فخرج من المدينة. وحاول ابن عباس ابن عمه الذي رافقه شطراً من الطريق أن يثنيه عن عزمه بقوله:((هؤلاء الناس سيخذلونك كما خذلوا أباك، لا تصدّقهم فإن قلوبم معك وسيوفهم مع يزيد)).
هذا التوضيح عبر شاهد من ذلك العصر موضوعي النظرة، وشهادته أثبت التاريخ صدق أحداثها واحدة واحدة، تُعطينا اليوم سرّ ذلك الانفصام في الدافع.
إنه يُنبئ عن ثنائية قسمت المسلم قسمين: صلاته من ناحية، وطعامه من ناحية أخرى، قلبه من ناحية، وسيفه من ناحيةٍ أخرى.
لم نكن إذ ذاك إلا في منطلق اطراد المنحدر، إنما في الحالتين اللتين أشرنا إليهما نستطيع أن نقيس الابتعاد عن المبدأ الذي أقرّه القرآن الكريم {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام: ٦/ ١٦٢].
فالانطلاق من هذه الآية هو إذن انطلاقٌ من مبدأ، فكرة، نموذج لعالم ثقافيّ تأسس بالقرآن، وقد بدأنا نسجل منزلقاته الأولى و (انحرافاته) الأولى - كما يقال اليوم- في سلوك المسلم.