ونحن نعلم إذن أنه إذا كنّا نحاكم انعدام فعالية ما في سلوك المسلم؛ كما في الحالتين التاريخيتين اللتين أشرنا إليهما- فإن علينا أن نحاذر وضع ذلك كلّه في حساب الإسلام.
مع أن هذا هو الخطأ الأكثر شيوعاً عند المستشرقين وعلماء الاجتماع الغربيين الذين يدرسون العالم الإسلامي المعاصر (١).
ومهما يكن من أمر فإذا سلمنا بأن كل عمل يخضع لنظام الأفكار في دوافعه كما في وسائله العلمية، فإنه من الجدير بالملاحظة بأنه لكي يكون للنشاط الاجتماعي أرضيّة فكرية فإن الفكرة هنا لا تكون في حالتها الصافية، بل في حالة تندمج فيها بالسلوك أي في تلك الحالة التي نفسرها بها ونفهمها ونتحمّلها.
وعندما نضع حساب ميزان القصور والفعالية في مجتمع؛ فإننا نضع بصورة أساسية حساب ميزان النتائج الإيجابية (لعالم الأفكار) فيه في حالته الراهنة.
ونحن نعلم من ناحية أخرى بأن خيانة الأفكار المندمجة في السلوك وابتعاد الأفكار المتداولة عن الأفكار الأساسية: هما الأداتان اللتان نقيس بهما انعدام فعالية مجتمع تسلّلت من جيل إلى جيل؛ عبر سلوك ما وعُقد معينة.
فالمحاكاة في السلوك تجد طريقها عبر الأفكار. أما جانبها المرضي؛ فإنها العدوى الاجتماعية التي تنتقل من جيل إلى آخر عبر امتصاص هذه الأفكار حين تنفصل عن نماذجها في عالمها الثقافي الأصلي. إذ تصبح هذه الأفكار حينئذ الجراثيم التي تنقل الأمراض الاجتماعية.
(١) لقد رددت الصحيفة القاهرية "الأخبار اليوم" في عددها الصادر في: ٢/ ١/ ١٩٦٠ - حكماً غريباً صدر عن علماء اجتاع أميركيين مفاده أن: "الفاعليّة تطوّرت حيث يوجد الفكر المسيحي واليهودي فقط، في حين نمت اللافاعليّة حيث يوجد الفكر الإسلامي "وهذا الحكم بالإضافة إلى ذلك خطأ تاريخي.