للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فالأولى ينطلق بها دانيال دي فوي من محوٍ كاملٍ للوسائل (أي الأشياء) حينما يبدأ بطلُ قصته المغامرة (١).

والثانية ينطلق بها ابن طفيل من محوٍ كاملٍ للأفكار، حينما يتدرج في مراحل أحداثها.

ففي كلا القصتين تكمن العبقرية في الطريقة التي ملأ بها مؤلفاهما وقت عزلة بطليهما.

وهاكم طريقة استخدام الزمن ليومٍ واحدٍ، في حياة (روبنسون كروزو) على الجزيرة التي نجا بنفسه إليها بعد غرق سفينته:

((بدأت أُنظِّم وقت عملي وخروجي، وقت راحتي ونُزهاتي، وانطلاقاً من هذه القاعدة التي واظبت على مراعاتها، كنت أخرج في الصباح إذا لم يكن الطقس ممطراً، ومعي بندقيتي لمدة ساعتين أو ثلاث، ثم أعمل بعد ذلك إلى ما يقارب الساعة الحادية عشرة، ثم آكل ما كنت أستطيع الحصول عليه، وكنت أنام من الظهر حتى الساعة الثانية بسبب الحرّ المضني. وفي المساء كنت أستأنف العمل. لقد أنفقت وقتي كلَّه في ذلك اليوم، وفي اليوم التالي في صنع طاولةٍ لنفسي، ذلك أنني لم أكن آنذاك سوى عاملٍ بائسٍ، ولكن الزمن والحاجة جعلاني فيما بعد صانعاً ممتازاً)).

تلك شريحة من زمن (روبنسون كروزو) في عزلته في الجزيرة. فالوقت يجري منذ البداية في وقائع محسوسة. أكْل- نوْم- عَمَل. وهي وقائع تكمن في


(١) (دانيال ديفر Daniel de Foe) روائي وشاعر وصحفي بريطاني. وُلد في لندن سنة (١٦٦٠). وتوفي سنة (١٧٣١). له عديد من الروايات أهمها (ربنسون كروزو) حيث يخطّ البطل ذكرياته في وحدته على جزيرة نائية نجا إليها بعد غرق سفينته. وهو يُعَدُّ رمزاً للنجاة بالعمل، ومثالاً لصراع الإنسان ضدّ الوحدة، والعزلة.

<<  <   >  >>