إنَّ الزمن يجري هنا في مراحل من ذلك الصعود بالفكر إلى لحظة شبيهة بلحظة (زرادشت) عند (نيتشة) حينما نزل من جبله حاملاً رسالته. فحي بن يقظان سيذهب مع رفيق الصدفة ((آسال))؛ حاملاً إلى مواطني ورعايا الحكيم (سلمان) ثمرة تفكيره.
إن العالم هنا؛ عالم تتركز فيه الأشياء حول الفكرة. فحي بن يقظان لا يتغلّب على كآبة الشعور بالوحدة بصنع طاولة؛ بل ببناء الأفكار واكتشافها. إنَّه عالمٌ لا يتحدَّد فيه الزمنُ لصالح شيءٍ ما.
في مؤتمر علم الاجتماع الذي عُقد مؤخراً في (فارنا) لم يكن الأستاذ (سيكار) على خطأ تام، رغم أنه لم يكن على صواب تام، في تفسيره حينما لاحظ ((أن الزمن الصناعي المتواصل؛ لا يدع على الإطلاق للإنسان المنعزل أن يواجه نفسه وذلك في مقابل الزمن غير المتواصل في بلاد العالم الثالث)).
فكلُّ من وجد نفسه منخرطاً في اطِّراد الإنتاج الصناعي يدرك في الواقع أن الآلةَ التي تنتج والشيء المنْتَجَ لا يدعان للإنسان (لحظةً للذات) ولا أيِّ إحساسٍ بالزهو، أو سُكونٍ إلى النفس.
لقد امتلأ يوم (روبنسون كروزو) بصنع (طاولة).
بيد أن الأستاذ (سيكار) إذا كان على حق في ملاحظته، فإنّه على خطأ في تفسيره.
إذْ لا جدال في أنه في مقابل وتيرة الزمن المحيطة بالإنتاج في البلاد الصناعية؛ هناك الزمن متقطع الوتيرة في البلاد المتخلِّفة.
ويبدو هذا التقطع في الوتيرة عند سيكار في شكل ((فراغات لا حصر لها تربط- إذا صح التعبير- بين لحظات الحياة)).