المهندس يبني الخليَّة في رأسه قبل أن يبنيها في القفير، وأن العمل ينتهي إلى نتيجة موجودة مسبقاً فكرياً في خيال العامل)).
هكذا إذن تتضمن عناصر العمل في نهاية التحليل ثلاث فئاتٍ: فئة الأشياء، وفئة الأشخاص، وفئة الأفكار.
وجميع الخصائص الاجتماعيّة والاقتصادية والسياسيّة لعملٍ ما تطْبع بالضرورة في مجموعته الخاصة؛ التي حيكت هن خيوط تلك الفئات الثلاث على الشبكة العامة لكل عمل.
هذه المجموعة تكون بسيطة التركيب في حالة الفرد المنعزل. وهي بالضرورة بسيطة؛ إمّا لنقصٍ في الوسائل (في الأشياء) في حال (روبنسون كروزو)، وإمّا لنقصٍ في الأفكار في حال (حي بن يقظان).
ولكن بمقدار ما يندمج الفرد في المجتمع الذي باشر في تقسيم العمل، فإن العنصر الفكريّ يأخذ شيئاً فشيئاً أهميته. وتبدو هذه الأهمية في عملٍ لابدَّ أن يكون متخصصاً، يحترم القواعد، ويراعي الأصول؛ من أجل اندماجه في العمل الجماعي.
أما الشروط الأخلاقيَّة والتقنيّة لهذا الاندماج فتندرج في سياقاتٍ نفسيَّةٍ جسديَّةٍ لا يتم تمثلها بسهولةٍ، كما لاحظ (روبنسون) عند قيامه بصناعة الطاولة.
والطفلُ إنسان منعزل في طريقه إلى الاندماج، ولابد له أن يمرَّ بهذه السياقات؛ كيما يحقق اندماجه المناسب. وغنيٌّ عن البيان أن العائلة والمدرسة تساعدانه في ذلك.
هذه المساعدة الاجتماعية تستطيع، بل ويجب أن تعمل بطريقةٍ تختصر وتكمِّل عملية اندماج الطفل، فهي لا تستطيع أن تلغيه.