للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلْنتابع ببساطة خطواته كي ندرك مراحل ذلك الاطراد:

عندما يرى الطفل النور؛ تكون الأشياء والأشخاص والأفكار منتظمةً حوله؛ في ثلاثة عوالم غريبةٍ عنه.

فيده بالنسبة إليه شيءٌ. تُسَلِّيهِ كما يسليه المصباح المتدلِّي فوق سريره. إنّها تدعه يخدش خده، وذلك شيء آخر لم يندمج بعد في ذاته.

غير أنه يبدأ على الأقل يشعر حوله بعالم من الأشياء ممثلاً بيده، بأصابعه، بمصاصته، وبالصباح المتدلي فوق سريره.

في هذه المرحلة، ليس لديه بعدُ أيُّ إدراك لعالم الأشخاص، حيث لا يتعرف على وجه أمِّه التي ليست بالنسبة إليه سوى الثدي الذي يغذّيه، شيء يمكن للرضّاعة أن تَحُلَّ مَحَلَّه بسهولة؛ إذا ما افتقد الأم لحادث سوء. إنه لا يتعرَّف على نفسه ككيان مكتملٍ؛ لأنه ليس لديه بَعْدُ أيُّ إحساس محدَّد عن (أناه).

وشيئاً فشيئاً يكتسب خبرة في عالم الأشياء، فبصره يبدأ يتعرف الوجوه.

إنَّه يعرف وجه أمه أولاً بالطبع، ووجه أبيه، ووجه إخوته وأخواته، وهذه الوجوه جميعها تبدأ في أن تشكل من حوله عالم الأشخاص الغريب.

بيد أنَّ اطمئنَانه إلى هذا العالم لم يأخذ مداه بعد، حتى حين يكون له من العمر ثلاث أو أربع سنوات. ويكفي أن ندعه وحيداً على الرصيف بالقرب من عتبة منزل العائلة؛ لنرى كيف ترتسم في الحال على وجهه علاماتُ كآبة الوحدة التي يشعر بها أمام المارَّة الذين لا يعرفهم.

وحتّى في السنة السادسة؛ يُعَدُّ يومُ دخولِ المدرسة بالنسبة إليه تجربةً قاسية جداً في عالم كل من الأشخاص غريبٍ عنه. وهو لا يندمج إلا تدريجياً، وشيئاً فشيئاً، وتبعاً لنقطة تحددها درجة ألفته الاجتماعية، إذ هذه الدرجة تتفاوت بين

<<  <   >  >>