ففي الشيخوخة، يبدو الفرد يعكس خط سيره، ويعود القهقرى في مراحل حياته النفسية ويترك على التوالي:
١ - عالم الأفكار بفقده كل قدرةٍ خلاقةٍ.
٢ - عالم الأشخاص نتيجة اللامبالاة أو النفور.
٣ - عالم الأشياء نتيجة الضعف وعدم الإقبال.
وهكذا يرحل أخيراً عن الحياة في نهاية عملية كاملة، ألمح إليها القرآن الكريم:{ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً}[الروم: ٣٠/ ٥٤].
لكن العوالم الثلاثة هذه تتعايش طوال حياة الإنسان جنباً إلى جنب مع تفوق أحدها تبعاً للفرد ولنموذج المجتمع الذي يندمج فيه.
وفي المجتمع الذي يدور فيه عالم الأفكار حول محور الأشياء تأخذ الميول الفردية الوجهة ذاتها. ولقد حدث أن سألت طفلاً في إحدى البلاد العربية عما كانوا (يعطونه) في المدرسة ولم ركن استعمالي فعل (أعطى) متعمَّداً، لكن جوابه العفويَّ كان ذا دلالة ظاهرة فقد أجابني: إنهم يعطوننا بسكويت. ومن الواضح أن معنى (أعطى) عنده يتمفصل بادئ الأمر بعالم الأشياء، حتى حينما يستعمل الفعل في الإطار المدرسيِّ في صيغة سؤالٍ.
وهكذا فالفرد يدفع ضريبة عن اندماجه الاجتماعيِّ إلى الطبيعة وإلى المجتمع. وكما كان المجتمع مختلاً في نموه ارتفعت قيمة الضريبة.