للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ورأى النورَ مجتمعٌ جديدٌ متفاعل مع العالم ومع التاريخ، فشرع بهدم ما بداخله من حدودٍ قبلية ليؤسس عالمه الجديد من الأشخاص؛ حيث كلٌّ أضحى حاملَ رسالته، وليبني عالماً ثقافياً جديداً تتمحور فيه الأشياء حول الأفكار.

في مبدأ الأمر، وعندما بدأت عملية اندماج المجتمع الإسلامي في التاريخ، تأسس عالم الأشخاص فيه على نموذج أصليٍّ، يتمثل بطائفة الأنصار والمهاجرين المتآخين في المدينة.

ولقد جسد هذا النموذخُ الفكرة الإسلامية. إذ أضحى النموذج المحتذى والمستلهم، والذي منه تُجْتَنى الذكريات التي ألهمت الكتابات الأولى في العالم الإسلامي؛ كطبقات ابن سعد.

وجميع خطوات المجتمع الجديد نحو عالم الأفكار - أي نحو عمر الفكرة- مرت عبر عالم الأشخاص هذا- أي عبر- عمر الشخص.

هكذا يتواصل الاطراد في المجتمع كما في الفرد حتى نقطة الارتداد والانكفاء. هنا تجمد الفكرة، وتتجه المسيرة نحو الوراء، إذ ينقلب المجتمع الإسلاميُّ على أعقابه ليعود على إثر مراحل عوالمه الثلاثة.

هنا لا يعود عالم أشخاصه على هيئة النموذج الأصليِّ الأوّل، بل يصبح عالم المتصوفين، ثم عالم المخادعين والدجالين من كل نوع، ولا سيما من نوع (الزعيم).

وعالم أشيائه لا يعود بسيطاً مستجيباً لضروراته كما كان حاله في الجاهلية. فالأشياء هنا تستعيد سلطتها على العقول والوعي، إذ غالباً ما تكون تافهةً براقةً، وتهبط الجيوب حين يتعين شراؤها من الخارج.

هكذا فالسيرورة منغلقة. والمجتمع الإسلامي العائد أدراجه يجد نفسه في النهاية ومنذ عدة قرون في عصر ما بعد الحضارة.

<<  <   >  >>