للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لم تكن الطاقة الحيوية قد تكيفت بشيءٍ بعد، فقد كانت في طبيعتها الأولية التي لا تأتلف مع شروط الحياة الخاصة بحضارة.

وحينما حدث لهذا المجتمع تحول من المجتمع البدائي إلى المجتمع الحضاري لم يكن باستطاعة المؤرخ وعالم الاجتماع أن يلاحظ في هذه الحقبة من الزمن ظهور أي حادث جديد يفسر هنا التغيير. فالعالم الثقافي الذي ظهر مع الفكرة القرآنية قد كان الحدث الوحيد. والعلاقة السببية بين الحدثين: القرآن والحضارة باديةٌ بشكل صارم عبر تلازمهما؛ فالفكرة الإسلامية هي التي طوّعت الطاقة الحيوية للمجتمع الجاهلي لضرورات مجتمع متحضر.

ويستحيل علينا أن نجد تفسيراً آخر يكشف لنا هذا التكيف الذي نظّم القوى البيولوجية للحياة كيما يضعها في خدمة التاريخ.

والواقع أنه في أصل جميع الحضارات فالاطراد واحد في تكامل وانسجام الطاقة الحيوية، وفي الظروف التي تؤهلها لوظيفتها التاريخية.

لكنَّ القدرة علي التكامل والانسجام ليست بالضرورة متشابهة بالنسبة لدورات مختلفة وبالأحرى بالنسبة لمُختَلِف المراحل في الدورة الواحدة.

ومن جهة أخرى فإن ظروف هذا الانسجام لا تراعى بالطريقة نفسها في جميع الحضارات.

فمثلاً نرى المجتمع المسيحي يسعى إلى إلغاء الدافع الجنسي بدلاً من أن يحتويه في الحدود العملية. إنه يواجه نزعة الشهوة ( libido) (١) بفكرة الرهبانية.


(١) (نزعة الشهوة libido) وهي لفظة لاتينية وتعني الرغبة يعرفها (فرويد) بأنها: ((عبارة مستقاة من نظرية المشاعر، نُسَمِّي بها الطاقة التي تشكّل قياساً كَمِّيّاً؛ وإن لم تكن حالياً ممكنة القياس، للدوافع التي تتصل بكل ما نعرفه تحت اسم الحب)) كما أنها: ((التجلي الديناميكي للغريزة الجنسية في الحياة النفسية)).

<<  <   >  >>