والفرد سيعيش تبعاً لذلك في ظل قانون الانتخاب البيولوجي (شريعة الغاب) التي تقصر الحياة على الأكثر قوة لا على الأفضل.
إذن عندما نلغي الطاقة الحيوية فإننا نهدم المجتمع. وعندما نحررها تحريراً كاملاً فإنها تهدم المجتمع. لذلك يجب على الطاقة الحيوية أن تعمل بالضرورة ضمن هذين الحدين.
ومن هنا يحق لنا أن نتساءل: ما هي السلطة التي تخضع الطاقة الحيوية لتحتويها هذه الحدود.
هذا السؤال حينما يطرح في منشأ اطراد اندماج مجموعةٍ إنسانيةٍ خرجت من مرحلة ما قبل التحضر، وتتأهب للانطلاق نحو مرحلة تاليةٍ فإنه يكشف لنا طبيعة التكيُّف الذي يجب على الطاقة الحيوية تحمُّله لتضطلع بمهمات هذا الاجتياز، وتستجيب لضروراته.
وبمعنًى آخر، فإن السلطة التي تضمن هذا التكيُّف مرتبطة ارتباطاً جوهرياً بالعوامل التي لها دور في وجود حضارة، وبوجه خاص مرتبطة بذلك الذي يلعب دورًا رئيسيّاً في تحول مجتمع إنساني بدائي (قبل التحضر) إلى مجتمع متحضر، والمجتمع الجاهلي في هذه الحالة يقدم لنا صورة مثلى لهذا التطور.
في المبدأ نرى أنفسنا أمام طرازٍ من المجتمعات، الطاقة الحيوية فيه غير متكيفة بشيءٍ ما تقريباً، فالعالم الثقافي الجاهلي كان في الحقيقة شبه خالٍ من مبادئ الإلزام الاجتماعي. فمبادئه اقتصرت على بعض قواعد الشرف وشيءٍ من الواجبات نحو المجموعة (التضامن القبلي الذي أثبت ابن خلدون أهميته السياسية في نشوء ممالك شمالي إفريقية، تحت اسم العصبية) وبعض المعتقدات التي جعلت منها مكة القرشية تجارة.