للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وتعتمد قدرة الأفكار الأولى في درجة التحول ومدته على الصدر المقدس أو الزمني للعالم الثقافي الذي ولد في المجتمع الجديد.

والواقع أنه لا يوجد في الأصل عالم زمنيٌ محض. لأن مثل هذا العالم لا يستطيع أن يقدم حوافز تستطيع مساندة مجتمع ناشئ لا يزال في خطواته الأولى.

ولقد لاحظ مؤسسو المجتمع المدني بسرعة تلك الظاهرة، مثل روبسبيز (١) الذي أضاف بعد فوات الأوان- فكرة ((الكائن الأعلى)) ( L'Etre supreme) (٢) إلى إيديولوجية الثورة الفرنسية.

وحينما أخفقت هذه الفكرة فإن فرنسا عام (١٧٨٩) استبدلتها بفكرة


(١) ( Rabespierre روبسبيير) (١٧٥٨ - ١٧٩٤) أحد مشاهير رجال الثورة الفرنسية، تأثر منذ حداثته أكثر الشيء بأفكار (جان جاك روسو) فتبنى مفهوم الإرادة الجماعية أو العامة للسلطة، ونظام (العقد الاجتماعي) وأهم ما فيه أن الأمة هي صاحبة السيادة المطلقة. وحينما كان نائباً عن مقاطعة (تيير Tier) (١٧٨٩) كان (روبسبيير) ملكياً دستورياً في موقفه السياسي، لكنه ما لبث أن أصبح أعنف مدافع عن حقوق الشعب، وكان مع رفاقه (مارا Mara) و (دانتون daneon) أحد قادة كومون باريس المتمردة (١٧٩٢)، واشتهر بالدكتاتورية الدموية حتى لُقِّب بـ ((روح الدكتاتورية اليعقويية)) وهو مسؤول عن إعدام رفاق دربه مثل: (ديمولين) و (دانتون)؛ بسبب اعتدالهم وتسامحهم. وله نظر يته في ((الديمقراطية الأخلاقية)) وهي: تعبير عن فكرة دكتاتورية الإرادة العامة، وقد أسس حكومةً شعبيةً تقوم على الفضيلة (أو على الذعر والترهيب زمن الأزمات الثورية) هذه السياسة الإرهابية أثارت خصومه ضده إلى حد إقالته وتنفيذ حكم الإعدام فيه صيف (١٧١٤).
(٢) عمد (روبسبيير) إلى ربط السياسة بما يشبه المفهوم الديني، وذلك بأن توّج الديمقراطية الأخلاقية- السياسية روحياً بتأسيس طقوس الكائن السامي (آذار ١٧٩٤). وهو المفهوم الفلسفي الجديد لإله السماء الموحِّد الذي يتخطّى- حسب رأي فلاسفة عصر التنوير- جميع التناقضات والخصومات بين الأديان والمذاهب، وذلك ضمن إطار ما يسمى بالديانة الطبيعية غير أن روبسبيير جعل له طقوساً معينة واختزل الفكرة الفلسفية بدمجها مع مفهوم الدولة.

<<  <   >  >>