هذه المواربة تثبت لنا أن أي مجمتع ناشئ يبحث دائماً عن سند له في القيم المقدسة.
من ناحية أخرى، فإن التاريخ يثبت لنا أن عالماً مبنياً في الأصل على القيم المقدَّسة يميل دائماً إلى نزع صفة القداسة عن مبادئه كلما أوغل المجتمع في المرحلة الثانية من دورة الحضارة، مرحلة امتلاك ناصية المشاكل التقنية والتوسع.
وربما أمكن تفسير هذه الظاهرة بإحدى طريقتين: فهي في منظور الاقتصاديين تقدم، وهي في منظور المؤرخين الفلاسفة إهدار طاقة في منعطف شيخوخة.
هذان التفسيران المتعارضان يتلاقيان في حتمية قانون تحول الطاقة الذي يحكم التاريخ كما يحكم الفيزياء، والذي يقرر بأنه لابد من سقوط طاقة كامنة لإنتاج العمل.
وعلماء (الميكانيكا) يسمونها (لحظة) القوة، هي تلك اللحظة التي تكون كافيةً لتمكين يد الرافعة من تحريك مقاومة ما، أي لإتمام عملٍ ما.
وللفكرة الدافعة (لحظتها) كذلك، أنها اللحظة التي يكون إسقاطها على نشاطنا، هو بالضبط الصورة الكاملة لنموذجها في عالمها الثقافي الأصلي.
فقدرتها على الطاقة الحيوية تكون في أوجها في تلك اللحظة على الأخص.
لقد سمحت تلك القدرة لبلال بن رباح الخاضع لتعذيب مُبَرِّحٍ بتحدي الجاهلية
الإنسان المؤلّه ( Ledemiurge) وهو إضفاء صفات الإله، أو أنصاف الآلهة، والأبطال الخارقين على فئة نادرة من البشر عبر التاريخ بقصد إحاطتهم بهالةٍ من العظمة والتقديس إلى درجة تجعلها غالباً تدخل في الخيال الأسطوري.