للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الرسول - صلى الله عليه وسلم - ساعيةً ثلاث مرات، ويؤجّل الرسول - صلى الله عليه وسلم - الحكم ثلاث مرات كذلك.

أجَّله في المرة الأولى ليعطي المرأة فرصة التفكير، وفي المرة الثانية لكي تضع مولودها، وفي المرة الثالثة حتى تنتهي من إرضاع طفلها. وأخيراً طبق العقوبة التي مافتئت تطالب بها منذ أن ارتكبت خطيئتها.

إن الأحداث المأساوية التي كانت تدور حول مراكز الاستقطاب الجديدة، وحول النماذج المثالية للعالم الثقافي الجديد لم تكن تعني أصحاب تلك الأحداث فحسب، بل كانت تشمل في توترها جميع أفراد المجتمع.

تلك هي حال المتخلفين، أولئك الذين لم يلحقوا بالمسلمين في غزوة تبوك، كانوا ثلاثة: كعب بن مالك، مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي. وكان كعب هو الذي روى تفاصيل المأساة (١).

ويبرز القرآن مقدار التوتر المتفجر في ضمير أولئك الذين عاشوا هذا الحادث ثم يورد لنا الخاتمة في الآية التالية:

{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: ٩/ ١١٨].

لم يكن ذلك اليوم يوم بشرٍ للرجال المتخلفين الثلاثة فحسب، بل كان يوم بشرٍ للأمة بأسرها.

وفي هذا الجو المتوتر كانت الأفكار المطبوعة تضع بصماتها المقدسة في جميع الأفكار الموضوعة، وفي جميع المواقف، وفي جميع الأمكنة، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» [أخرجه البخاري وأصحاب


(١) عن البخاري، مع تحديد معنى (المتخلفين): أولئك الذين تحفَّظ الرسول في الحكم بشأنهم.

<<  <   >  >>