السن إلا أبا داود] فلم يعد هناك شيء دنيوي. فالقداسة أضحت في كل شيء. وأضفت القداسة مسحتها على العالم كله.
لذا يمكن لنا أن نفهم في هذا العالم المقدس ثقل الذنب مهما صغر. فقد كانت الأخطاء الصغيرة تأكل من أسطوانة عالم الثقافة. وكان كل فرد ينتصب لكل تحريف في اللحن ينبعث من المكان المتآكل، ففي تلك اللحظات المباركة هنالك في كل فرد حساسية الأذن الموسيقية عند موقع النشاز في الأسطوانة.
وعندما تخبو تلك الحساسية الأخلاقية والجمالية؛ فإن مقدار فنائها يدل على مقدار عدم تماسك عالم الأفكار وعلى انحطاط اجتماعي بصفة عامة.
ويستمر هذا الانحطاط إلى اللحظة التي يقف فيها لحن الأفكار، وتتلف الأسطوانة وتَمَّحي في نفس كل فرد، ويصبح الصمت تاماً، وتزول ردَّات الفعل الحماسية للألحان السامية وردات الفعل الرافضة للأصوات النشاز.
وعندما تنمحي النماذج المثالية: حينئذ لا تسمع أبداً لهجة الروح في تناغم اللحن. فالأفكار الموضوعة، حين لا يعود لها جذور في الغلاف الثقافي الأساسي، تصمت هي بدورها: إذ لم تعد لديها ما تعبر عنه، ثم لأنها لم تعد تستطيع أن تعبر عن شيء. والمجتمع الذي يصل إلى هذه الدرجة يتفتت لأنه لم تعد لديه دوافع مشتركة؛ كما هو الشأن في الجرائر بعد الثورة؛ وكما هو الشأن في أوربة الآن حيث الفرد ينتحر أو ينطوي على ذاته.
إنها لحظة الأفكار الميتة وبعد أن عاش المجتمع الإسلامي اللحظة المجيدة عند ولادة حضارته؛ لحظة (أرخميدس) لأفكار هـ المطبوعة في عصر الرسول، أو الخلفاء الراشدين، وأفكار هـ الموضوعة في الفترات المضيئة لدمشق وبغداد، فإن المجتمع الإسلامي يعيش فترة الصمت، إنه صمت الأفكار الميتة.