فالحاج الذي ينزل ميناء جدة يُسَرُّ حينما يفاجأ بقراءة إعلان معلق على أحد الأبواب مكتوبٌ عليه: هيئة الأمر بالمعروف، ثم عندما يتقدم خطوة في البلد، يبدأ في اكتشاف حقيقةٍ يبدو إزاءها الإعلان مجرد سخرية: إنه فكرة ميتة.
لكن الأمر الأدهى عندما نبدأ إحياء عالم الثقافة المحشو بالأفكار الميتة بأفكار ٍ قاتلةٍ مستوردةٍ من حضارةٍ أخرى.
فهذه الأفكار التي أضحت قاتلة في محيطها؛ تصبح أكثر فتكاً حينما نستأصلها من ذلك المحيط؛ لأنها تترك بصفة عامة مع جذورها التي لا يمكن نقلها ترياقاً يتأقلم به ضررها في وسطها الأصلي.
وفي شروط كهذه يقتبس المجتمع الإسلامي المعاصر أفكار هـ الحديثة (التقدمية) من الحضارة الغربية.
هذه هي النتيجة الطبيعية لاطراد تَحَدَّدَ في لب المجتمع الإسلامي بجدلية الأشياء والأشخاص والأفكار التي صنعت تاريخه. غير أن الذي لم يكن طبيعياً هو جمود المجتمع الإسلامي وخموله في هذه المرحلة من التطور، وكأنه يريد أن يبقى فيها أبد الدهر. في حين أن مجتمعاتٍ أخرى؛ كاليابان، والصين، بدأت من النقطة نفسها، لكنها نزعت عنها ثوب الجمود وهي تفرض على نفسها ظروفاً ديناميكية جديدة، ونظرية جدليةً تاريخيةً جديدة.
فالمجتمع الإسلامي يدفع اليوم ضريبة خيانته لنماذجه الأساسية. فالأفكار - حتى تلك التي نستوردها- ترتد على من يخونها وتنتقم منه.
إنها اللحظة المؤلمة حيث المسلم منشطرٌ إلى شخصين: المسلم الذي يتمم واجباته الدينية ويصلي في المسجد، ثم المسلم العملي الذي يخرج من المسجد ليغرق في عالمٍ آخر.