ولكن مع هذين الانفعالين فإن المجتمعين كليهما يواجهان الداء ذاته، فطغيان الشيء يختلف الشعور به، ولكن النتائج النفسية المنطقية واحدة. فالشيء يطرد الفكرة من موطنها حين يطردها من وعي الشبعان والجائع معاً.
هذه النتائج في المجتمع الإسلامي تأخذ أحياناً أشكالاً تدعو للسخرية؛ حينما يحل الشيء محل الفكرة بطريقةٍ ساذجةٍ لينشىء حلولاً مزيفة لمشكلاتٍ حيوية.
ونلاحظ ذلك في المراتب العليا للدول المستقلة حديثاً؛ حتى في مستوى التعليم العالي الذي يفترض فيه تحديد الاتجاه العام لمثقفيها.
وأسوق هنا هذه المذكرات المقتبسة من وثيقةٍ تتعلق بإدارة معهد طب الأسنان بالجزائر وتعود إلى عام ١٩٦٥ وأثبت النص بحرفيته:
((إن أحد الدلائل المعبرة عن الوضع الحالي لمعهد طب الأسنان، هو الحال التي يوجد عليها القسم الأكبر من اللوازم التقنية.
في الواقع إن ٥٧ وحدةً علاجية من أصل ٦٠ وحدةً معطلةٌ في الوقت الحاضر (١٩٦٥)، وهذا يعني من منظار الميزانية أن حوالي (٣٠٠) مليون فرنك فرنسي قديم مجمدةٌ في استثمارٍ عقيم.
ولا بد أن نضيف بأن اختيار تلك اللوازم من حيث المبدأ كان سيِّئاً. لأنه لا يجوز أن يسلم إلى الطالب المبتدئ جهازً مخصص لعيادة جراح الأسنان، ففي مدارس طب الأسنان في البلاد المتقدمة يتم التعليم بأدواتٍ زهيدة الثمن وعلى كراسٍ عادية بالأخص.
والجدير بالملاحظة علاوةً على ذلك أنه في الوقت الذي تتوفر فيه (في معهد طب الأسنان هذا) كميةٌ كبيرة من اللوازم الثابتة الباهظة الثمن من غير أن تكون ضروريةً هناك نقصٌ في الأدوات الصغيرة التي لا غنى عنها للطبيب وخاصة للمبتدئ)).