هذا لدرجة أن المعهد يبدو في النهاية وكأنه منصةٌ لعرض معدات الأسنان، وليس ورشة عملٍ أو مختبراً للتعليم.
والتعليم في الواقع يصبح طبقاً لذلك دون أية صفة علمية؛ إذ سيقتصر على تخريج مجرد قالعي أضراس وليس أطباء جراحين.
ومثلاً نرى أستاذاً في طب الأسنان يكلف بإعطاء دروس في الأمراض البولية، وأما أوقات التدريس فهي فوضوية لدرجة أن الأستاذ يختار أي توقيت وأية مجموعة تلاميذ ليعطيها درسه. ونتيجة لذلك في نهاية العام الدراسي: أن الأستاذ الشريف الذي يغوص في هذه الفوضى لا يعرف كيف يقدر علامات الطالب.
إن هذه الوثيقة الإدارية البسيطة تدل على افتقاد توازن يؤثر على علاقة (الفكرة بالشيء)؛ حتى على الصعيد الجامعي في بلدٍ من البلدان المتخلفة. وهذا خللٌ صارخٌ تظهر آثاره السلبية على الصعيدين الاقتصادي والتربوي على حدٍ سواء. ومن الممكن مراقبة تلك الآثار وحسابها على يد هيئةٍ إداريةٍ حريصة على حسن إدارتها.
إن الحالة التي اخترناها تمثل خللاً في العلاقة على حساب الفكرة تصل إلى درجة (الشيئية) الصرفة: أي إلى درجة المادية الأولية عند الأطفال.
أما في مجتع متقدم فإنه يمكن لطغيان الشيء أن يتخفى خلف مظاهر أكثر خداعاً. وهذا الاختلال يبدو في مستوى ثقافيٍّ أعلى. وآثاره الكامنة فيه علاماتٌ لا تكاد تدرك وهي تنبئ عن أزماتٍ مستقبلية إيديولوجية؛ وحتى سياسية حينما نقرؤها في ثنايا بعض الأحداث الجارية.
ولا بد لهذه العلامات من أن تلفت انتباه المراقبين في المجتع الرأسمالي وفي المجتمع السوفياتي على حدّ سواء، فمنذ عشر سنوات قام أحد المراقبين بإجراء تحقيق