الفكرة والشخص مرتهنةً لشخص يستحوذ لصالحه على سائر الروابط القدسية في عالم الثقافة.
والواقع أنّ هذه العلاقة تمازجها الأسطورة، وتصبح مخادعةً في شكلها المتطرف إذ تغدو الفكرة- الوثن.
إنها حوادث ثقافية تقع دائماً، ولثقافة القرن العشرين واحدة، منها في إيطاليا في شخص (موسوليني) وأخرى في ألمانيا في شخص (هتلر).
إلا أننا نفضل هنا أن نبرز حالة لاحظناها في البيئة الإسلامية في الجزائر بسبب ارتباطها المباشر بموضوع هذه الدراسة (١).
لقد أطلق القرآن الكريم تسمية الجاهلية- أي الجهل- على الوثنية التي سيطرت على الجزيرة العربية قبل الإسلام ومع ذلك لم تكن تلك الجاهلية فقيرة في صناعة الأدب، فقد حفلت هذه الفترة بألمع الأسماء. لكنها ظلت تسمى الجاهلية أي عصر الجهالة لأن علاقاتها المقدسة لم تكن مع أفكار وإنما كانت مع أوثان الكعبة. فالكلام العربي آنذاك لم يكن يتضمن سوى كلماتٍ براقة وخالية من كل بذور خلاقة.
وإذا كانت الوثنية جهالة فالجهالة بالمقابل وثنية. وليس من قبيل الصدفة أن الشعوب البدائية تؤمن بالأوثان والتمائم.
هذه الجدلية تحدد طبيعة علاقة الفكرة- الشخص؛ التي تنقلب عند التطرف إلى علاقة فكرة- وثن. وبفضل تلك العلاقات المنجرفة نحو التطرف فإن الشعب الجزائري أقام قبب مرابطيه وأوليائه، وحافظ على عكوفه عليهم عبر قرون ما بعد الموحدين.
(١) لقد عالج المؤلف الحالة في كتابه (شروط النهضة) الذي اقتبس منه هذا الفصل كاملاً فيها بعض الحذف.