والعلماء الذين كانوا يجهلون هذا القانون الأساسي قد استبدلوا ضمناً ودون أن يدركوا بالسياسة التي تفرض على الإدارة الاستعمارية حتمية التصفية طبقاً للمبدأ الذي قرره ( burke)، سياسة المطالبة التي تمنح الإدارة تأجيلاً لهذا الاستحقاق وتترك لها زمام المبادرة.
وبهذا العمل ذهب العلماء أبعد من ذلك: لقد حطّموا التوازن المنقذ الذي رسخت دعائمه بفضلهم في العالم الثقافي الجزائري من أجل الإصلاح.
لقد نُفيت الفكرة، وأمسك الصنم بالسلطة في الحياة العامة الجزائرية. وانقطع التيار الإصلاحي فانجرفت المعتقدات الشعبية في تيار (الديماغوجية) المرعد المزبد العقيم، وقد منع البلاد من أن تسمع دقات الساعات الحاسمة عام (١٩٣٩).
إن السياسة التي تجهل القوانين الأساسية لعلم الاجتماع- وهو الذي يعتبر علم بيولوجيا البنى والأجهزة الاجتماعية- ليست إلا ثرثرةً عاطفيةً، ولعباً بالألفاظ وطنطنةً غوغائية.
لكن الأفكار التي خانها أصحابها تنتقم. وانتقام الإصلاح الذي غدر به عام (١٩٣٦) كان بلا هوادة. لقد دارت الآلة إلى الوراء، وعادت البلاد أدراج المراحل التي كانت خلفتها وراءها. وعاشت الجزائر مجدداً (الزردات) في اليوم الذي دعتها فيه النخبة كي تحرق آخر ما تبقى لديها من البخور (الجاوي) في الزردة التي نُظمت بعد موت المؤتمر الإسلامي؛ ليس تكريماً لولي هذه المرة بل لوثنٍ سياسي.
لقد بدأت في ذلك اليوم مرابطية جديدة، مرابطية لا تبيع الحروز، البركة، الجنة ونعيمها، ولكن تشتري الحقوق، المواطنية ... القمر ... عبر أوراق الانتخاب.