للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لقد غاب عن الأذهان أن الحق ملازم للواجب، وأن الشعب هو الذي يخلق ميثاقه ونظامه الاجتماعي والسياسي الجديد عندما يغير ما في نفسه.

إنه لقانون سامٍ! ... ((غيِّرْ نفسكَ فأنت تغير التاريخ)) لكن في عام (١٩٣٦)، وحينما خرق العلماء هذا القانون، فإن التحول توقف وتلاشى في السراب السياسي.

لم يعد الكلام حول الواجب دائماً بل حول الحقوق فقط. ولا داعي لمواصلة الحديث حول النتيجة النهائية لسياسة المطالبة التي عبر عنها بوضوحٍ صمتُ الأحزاب الوطنية في الساعات الحرجة عام (١٩٣٩)، وتشرين الثاني " نوفبر " عام (١٩٤٢) (١). وبدلاً من أن تظل البلاد حقلاً لجهودنا المتواضعة والفعَّالة المثمرة كما هو حالها منذ عام (١٩٢٥)، فقد غدت منذ عام (١٩٣٦) مؤتمراً ومعرضاً انتخابياً، حيث في كل مقهى قاعة استماع، وكل منضدة منبر خطابة.

لقد غدا الشعب مستمعاً، قطيعاً انتخابياً، قافلةً عمياء ضلت طريقها المرسوم عبر الفكرة؛ فتاهت في مسارب الأوثان.

ياله من احتيال! .... لا يزال مستمراً (٢)؛ لأن الوثن إذا كان لابد زائلاً بسبب عدم فاعليته؛ فإنه كاليرقة تتجدد على كل الأشكال في المناخ الملائم حيث تترعرع المرابطية التي تنتج الصنم.

ولقد رأينا هذه الظاهرة أثناء الثورة الجزائرية، فالنخبة المثقفة الجزائرية لا تتمحور إيديولوجياً حول الفكرة الثورية، وإنما حول أصنام ألصقت بها بعض الصحافة هذه الفكرة. وهذا يعني أننا لم نُشف بعد من هذا المرض. وينبغي


(١) المقصود هنا قيام الحرب العالمية الثانية عام ١٩٣٩ وسقوط مدينة باريس بأيدي الألمان عام ١٩٤٢.
(٢) اقتبست هذه السطور من كتابنا "شروط النهضة" الذي نشر عام (١٩٤٧)، أي قبل الثورة.

<<  <   >  >>