للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا، وكما أن من شأن الكناية الواقعة في نفس الصّفة أن تجيء على صور مختلفة، كذلك من شأنها إذا وقعت في طريق إثبات الصّفة أن تجيء على هذا الحدّ، ثم يكون في ذلك ما يتناسب، كما كان ذلك في الكناية عن الصفة نفسها.

تفسير هذا: أنك تنظر إلى قول يزيد بن الحكم «١» يمدح به يزيد بن المهلّب، وهو في حبس الحجّاج: [من المنسرح]

أصبح في قيدك السّماحة والمج ... د وفضل الصّلاح والحسب

فتراه نظيرا لبيت «زياد»، وتعلم أن مكان «القيد» هاهنا هو مكان «القبة» هناك.

كما أنك تنظر إلى قوله: «جبان الكلب»، فتعلم أنه نظير لقوله: [من الطويل] زجرت كلابي أن يهرّ عقورها «٢» من حيث لم يكن ذلك «الجبن» إلا لأن دام منه الزّجر واستمرّ، حتى أخرج الكلب بذلك عما هو عادته من الهرير والنّبح في وجه من يدنو من دار هو مرصد لأن يعسّ دونها.

وتنظر إلى قوله: «مهزول الفصيل»، فتعلم أنه نظير قول ابن هرمة:

لا أمتع العوذ بالفصال وتنظر إلى قول نصيب: [من المتقارب]

لعبد العزيز على قومه ... وغيرهم منن ظاهره

فبابك أسهل أبوابهم ... ودارك مأهولة عامره

وكلبك آنس بالزّائرين ... من الأمّ بالابنة الزّائره «٣»


(١) يزيد بن الحكم: شاعر عالي الطبقة من أعيان العصر الأموي من أهل الطائف توفي سنة (١٠٥) هـ.
(٢) البيت: لعوف بن الأحوص الكلابي، وهو شاعر جاهلي، (الوحشيات ٦/ ٢)، والمفضليات (١٧٦). ونسبه في الحماسة إلى أخيه شريح وعجز البيت:
«رقعت له ثاري فلما اهتدى بها عقورها» عقر الفرس والبعير عقرا: قطع قوائمه/ اللسان مادة/ عقر (٤/ ٢٢٩).
(٣) الأبيات لنصيب الشاعر الأموي في مدح عبد العزيز بن مروان، والأبيات في الإيضاح (٢٨٨)، والمفتاح (٥١٦)، وأوردها محمد بن علي الجرجاني في الإشارات (٢٤٢)، وعزاها لنصيب، والتبيان (٣٩). ونصيب كان عبدا أسود لرجل من أهل وادي القرى، أتى عبد العزيز بن مروان، بعد ذلك أصبح النصيب مولى بني مروان، كانت أمه سوداء، فوقع بها سيدها فولدت نصيبا، فوثب عليه عمه بعد موت أبيه واستعبده. ترجمته في الشعر والشعراء (٤١٧، ٤١٩)، وطبقات الشعراء، والأغاني، والآلي، ومعجم الأدباء، والأبيات المذكورة، يمدح بها سيده عبد العزيز بن مروان.

<<  <   >  >>