[نبذة في التعريف بالمسجد الأقصى]
المدينة فيها أودية كثيرة، ومع ذلك لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم العقيق قال: (أتاني آت من ربي فأمرني أن أصلي ركعتين في هذا الوادي المبارك).
فالنبي صلى الله عليه وسلم سماه وادياً مباركاً، فوادي العقيق واد مبارك بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه، والمعنى أن الله جل وعلا يقدِّم من يشاء بفضله ويؤخر من يشاء بعدله، ولا يسأله مخلوق عن علة فعله، ولا يعترض عليه ذو عقل بعقله.
فالمساجد التي من الله على الناس باصطفائها ثلاثة.
والمساجد تنسب لله جل وعلا تشريفاً، وتنسب لغير الله تعريفاً.
فقد يسمى المسجد بمسجد السلام ليُعرَّف، ويفرَّق بالاسم يبنه وبين غيره من المساجد.
لكن كل المساجد يقال لها: بيوت الله، فتضاف إلى الله جل وعلا تشريفاً، وتضاف إلى غيره تعريفاً، فقول الله في كتابه (المسجد الأقصى) هذا تعريف بالوصف؛ لأن كلمة (الأقصى) وصف لكلمة المسجد، وكلاهما معرف بأل.
فالمسجد الأقصى أحد مساجد ثلاثة تشد إليها الرحال، بل بتعبير أوضح لا تشد الرحال إلا إليها: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، والمسجد النبوي.
قال الله جل وعلا: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء:١] رغم أنه عندما نزلت هذه الآيات وهي مكية لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة، فهذا يشعر أن ثمة مسجداً سيكون بين مكة وبين المسجد الأقصى في بيت المقدس، وهو المسجد النبوي.
وبالإسراء به إلى المسجد الأقصى أخذ المجد من أطرافه الثلاثة: فولد في مكة وبعث في مكة ليرث إبراهيم، وصلى بالمسجد الأقصى إماماً ليرث جميع الأنبياء، وقد صلوا خلفه، وجاء في بعض الروايات أنه لما سلَّم رأى إخوانه من النبيين فقال لهم: (إن الله أمرني أن أسألكم: هل أرسلكم الله لتدعوا إلى أحد غيره؟ قالوا: إنما أرسلنا الله لندعو إليه)، قال الله: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:٤٥] وفي قراءة و ((يَعْبُدُون)) والمعنى واحد.
والمقصود: أنه صلى بهم إماماً ليرثهم في الأرض المقدسة، ثم خصه الله جل وعلا بهذه البلدة الطاهرة (المدينة النبوية)، فورث المجد من أطرافه الثلاثة صلوات الله وسلامه عليه.
إن بيت المقدس أرض تختصم فيها الأديان السماوية الثلاثة: اليهودية والنصرانية والإسلام.
وأريحا: هي البلدة التي أمر الله جل وعلا بني إسرائيل أن يدخلوها كقرية ويقولوا حطة، فحرفوا الكلم، وهي عند كثير من المؤرخين أقدم مدينة سكنت في العالم.
موسى عليه السلام هو الذي خرج ببني إسرائيل من أرض مصر إلى بيت المقدس، لكنهم امتنعوا من محاربة الجبّارين ودخول أريحا فحكم الله عليهم بأن يبقوا في التيه أربعين عاماً، فمات هارون ومات موسى بعده وبنو إسرائيل في أرض التيه.