قد أرسل إليّ بعض أصحابنا جزءا أخبر أنه صنفه بعض القضاة قد تكلم في المسألة التي انتشر الكلام فيها؛ وهي السفر إلى غير المساجد الثلاثة، كالسفر إلى زيارة القبور هل هو محرم أو مباح أو مستحب؟
وهي المسألة التي أجبت فيها من مدّة بضع عشرة سنة بالقاهرة، فأظهرها بعض الناس في هذا الوقت ظنا أن الذي فيها خلاف الإجماع، وأن السفر لمجرّد قبور الأنبياء والصالحين هو مثل السفر المستحب بلا نزاع، وهو السفر إلى مسجد نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم المتضمن لما شرعه الله من السفر إلى مسجده والصلاة فيه والسلام عليه، ومحبته وتعظيمه، وغير ذلك من حقوقه صلى الله عليه وسلّم في مسجده المؤسس على التقوى، المجاور لقبره صلى الله عليه وسلّم، وظنوا أن السفر، إلى زيارة قبور جميع الأنبياء والصالحين مستحبّ مجمع على استحبابه مثل هذا السفر المشروع بالنصّ وإجماع المسلمين إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلّم، سواء سافر مع حج البيت أو بدون حجّ البيت، فإن هذا السفر المشروع إلى مدينته بالنص والإجماع لا يختص بوقت الحج، فإن المسلمين على عهد خلفائه الراشدين كانوا يحجّون ويرجعون إلى أوطانهم، ثم ينشئ السفر إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلّم من ينشئه، لأنه عبادة مستقلة بنفسها كالسفر إلى بيت المقدس، والسفر إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلّم أفضل من السفر إلى المسجد الأقصى بالنص والإجماع. فظن من ظن أن السفر المشروع هو لمجرّد القبر لا لأجل المسجد، وأن المسجد يدخل ضمنا وتبعا في السفر، وأن قبور سائر الأنبياء كذلك، أو أن المسافرين لمجرد القبور سفرهم مشروع كالسفر إلى المساجد الثلاثة، ومن الناس من ظن أنه أفضل من السفر إلى المساجد الثلاثة، حتى صرحوا بأنه أفضل من الحجّ، وأن الدّعاء عند قبور الأنبياء والصالحين أفضل من الدعاء في المسجد الحرام ومسجد الرسول وعرفة ومزدلفة ومنى، وغير ذلك من المساجد والمشاعر التي أمر الله ورسوله بالعبادة فيها، والدعاء والذكر فيها، وظنّ من ظنّ أن هذا مجمع عليه، وأن من قال السفر لغير المساجد الثلاثة سواء كان لقبر نبي أو غير نبي، منهي عنه أو أنه مباح ليس بمستحب فقد خالف الإجماع، وليس معهم بما ظنوه نقل عن أحد من أئمة الدين الذين لهم في الأمة لسان