للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[واجب الموحّد تجاه الملائكة والأنبياء]

والمقصود هنا، أن الله أمرنا أن نؤمن بالملائكة والأنبياء، وأمر أن لا نتخذهم أربابا ولا نشرك بهم، ولا نغلو فيهم، ولا نعبد إلا الله وحده، قال تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ [البقرة: ١٣٦] الآية. فأمرنا أن نؤمن بما أوتي جميع الأنبياء، ولهذا كان الإيمان بجميع ما جاءوا به واجبا، ومن كفر بنبي معلوم النبوة فهو كافر مرتدّ، ومن سبّ نبيا كان مرتدا مباح الدم باتفاق الأئمة، وإنما تنازعوا في قبول توبته. وقد بيّن كفر من يؤمن ببعض ويكفر ببعض، فقال تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ [النساء: ١٥٠] إلى قوله: أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا [النساء: ١٥١] الآية. وقال تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ [البقرة: ٢٨٥] الآية. وقال تعالى:

وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة: ١٧٧]. وقال تعالى:

وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة: ٤، ٥] ودين الأنبياء واحد وملتهم واحدة، وهي الأمة، وإنما تنوّعت شرائعهم ومناهجهم، كما قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً [المائدة: ٤٨].

وقد افترق اليهود والنصارى، فاليهود جفوا عنهم فكذّبوهم وقتلوهم كما أخبر الله عنهم بقوله: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ [البقرة: ٨٧] والنصارى غلوا فيهم؛ فأشركوا بهم حتى كفروا بالله، قال تعالى:

يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ [النساء: ١٧١] إلى قوله: فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً [النساء: ١٧٢] الآية. فبالإيمان بهم وتصديقهم وطاعتهم يخرج المسلم عن مشابهة اليهود، وبعبادة الله وحده والاعتراف بأنهم عباد الله، لا يجوز اتخاذهم أربابا ولا الشرك بهم والغلوّ فيهم، يخرج عن مشابهة النصارى. فإن اتخاذهم أربابا كفر، قال الله تعالى: وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: ٨٠]. والنصارى يشركون بمن دون المسيح من الأحبار والرهبان، قال تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة: ٣١] الآية. فمن غلا فيهم واتخذهم أربابا فهو كافر، ومن كذّب شيئا مما جاءوا به أو سبّهم أو عابهم، أو عاداهم، فهو كافر. فلا بد من رعاية هذا الأصل.

وهذا المعترض وأمثاله التفتوا إلى جانب التعظيم لهم، دون جانب التوحيد لله

<<  <   >  >>