للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله تعالى: وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً [نوح: ٢٣] قالوا:

هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم. وقد ذكر بعض هذا المعنى البخاري في صحيحه لما ذكر قول ابن عباس: إن هذه الأوثان صارت إلى العرب، وذكره ابن جرير الطبريّ وغيره في التفسير عن غير واحد من السلف «١». وذكره وثيمة وغيره في قصص الأنبياء من عدة طرق. وقد بسطت الكلام على هذه المسائل في غير هذا الموضع.

[أول من وضع أحاديث زيارة المشاهد]

وأول من وضع هذه الأحاديث في السفر لزيارة المشاهد التي على القبور أهل البدع من الروافض ونحوهم الذين يعطّلون المساجد ويعظّمون المشاهد التي يشرك فيها ويكذّب فيها ويبتدع فيها في دين الله ما لم ينزل الله به سلطانا، فإن الكتاب والسنة إنما فيهما ذكر المساجد دون المشاهد كما قال تعالى: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [الأعراف: ٢٩] وقال:

وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجن: ١٨] وقال: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة: ١٨] وقال: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ [البقرة: ١٨٧] وقال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [البقرة: ١١٤].

وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلّم أنه كان يقول: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» «٢». والله تعالى أعلم.

فهذه ألفاظ المجيب، فليتدبّر الإنسان ما تضمّنته، وما عارض به هؤلاء المعارضون مما نقلوه عن الجواب، وما ادّعوا أنه باطل؛ هل هم صادقون مصيبون في هذا أو هذا، أو هم بالعكس؟

والمجيب أجاب بهذا من بضع عشرة سنة بحسب حال السائل واسترشاده، ولم يبسط القول فيها ولا سمّى كلّ من قال بهذا القول، ومن قال بهذا القول بحسب ما تيسّر في هذا الوقت، وإلا فهذان القولان موجودان في كثير من الكتب المصنفة في مذهب مالك والشافعي وأحمد وفي شروح الحديث وغير ذلك. والقول بتحريم السفر إلى غير المساجد الثلاثة وإن كان قبر نبينا صلى الله عليه وسلّم وهو قول مالك وجمهور أصحابه، وكذلك أكثر أصحاب أحمد؛ الحديث عندهم معناه: تحريم السفر إلى غير الثلاثة، لكن منهم من يقول: قبر نبينا صلى الله عليه وسلّم لم يدخل في العموم.


(١) انظر «صحيح البخاري» (٤٩٢٠).
(٢) جزء من حديث أخرجه مسلم في «صحيحه» (٥٣٢) من حديث جندب بن عبد الله البجلي- رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>