للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبي بكر وعمر. وفي رواية يحيى بن يحيى «١». وقد غلّطه ابن عبد البر وغيره، وقالوا: إنما لفظ الرواية ما ذكره ابن القاسم والقعنبي وغيرهما: يصلّي على النبي صلى الله عليه وسلّم وعلى أبي بكر وعمر.

قال أبو الوليد الباجي: وعندي أنه يدعو للنبي صلى الله عليه وسلّم بلفظ الصلاة، ولأبي بكر وعمر، لما في حديث ابن عمر من الخلاف.

قال القاضي عياض: وقال في «المبسوط»: لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج إلى سفر أن يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلّم فيصلّي عليه ويدعو له ولأبي بكر وعمر. فإن كان أراد بالدعاء السلام أو الصلاة فهو موافق لتلك الرواية، وإن كان أراد دعاء زائدا؛ فهي رواية أخرى، وبكل حال فإنما أراد الدعاء اليسير.

وأما ابن حبيب فقال: ثم يقف بالقبر متواضعا موقرا فيصلي عليه ويثني بما يحضر، ويسلّم على أبي بكر وعمر. فلم يذكر إلا الثناء عليه مع الصلاة.

والإمام أحمد ذكر مع الثناء عليه بلفظ الشهادة له بذلك مع الدعاء له بغير الصلاة مع دعاء الداعي لنفسه أيضا، ولم يذكر أن يطلب منه شيئا ولا يقرأ عند القبر قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً [النساء: ٦٤] ولم يذكر ذلك مالك والمتقدمون من أصحابه، ولا جمهورهم، بل قال في منسك المروذي: «ثم ائت الروضة، وهي بين القبر والمنبر، فصلّ فيها وادع بما شئت، ثم ائت قبر النبيّ صلى الله عليه وسلّم فقل: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا محمد بن عبد الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، وأشهد أنك بلّغت رسالة ربك ونصحت لأمتك، وجاهدت في سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وعبدت الله حتى أتاك اليقين، فجزاك الله أفضل ما جزى نبيا عن أمته، ورفع درجتك العليا، وتقبّل شفاعتك الكبرى، وأعطاك سؤلك في الآخرة والأولى كما تقبّل من إبراهيم، اللهم احشرنا في زمرته، وتوفّنا على سنته، وأوردنا حوضه، واسقنا بكأسه مشربا رويا لا نظمأ بعدها أبدا».

وما من دعاء أو شهادة وثناء يذكر عند القبر إلا قد وردت السنة بذلك أو ما هو أحق منه في سائر البقاع، لا يمكن أحد أن يأتي بذكر يشرع عند القبر دون غيره، وهذا تحقيق لنهيه صلى الله عليه وسلّم أن يتّخذ قبره أو بيته عيدا، فلا يقصد تخصيصه بشيء من الدعاء للرسول فضلا عن الدعاء لغيره، بل يدعى بذلك للرسول حيث كان الداعي، فإن ذلك


(١) قال الشيخ المعلّمي- رحمه الله تعالى-: «يظهر أن هنا سقطا، وفي «الموطأ» - رواية يحيى بن يحيى- عن مالك، عن عبد الله بن دينار، قال: ورأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلّم، فيصلّي على النبي صلى الله عليه وسلّم وعلى أبي بكر وعمر» اه.
وقد تقدم تخريج الأثر في أول الكتاب.

<<  <   >  >>