للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عياض في هذا الفصل- فصل الزيارة- قال بعضهم: رأيت أنس بن مالك أتى إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلّم فوقف فرفع يديه حتى ظننت أنه افتتح الصلاة، فسلّم على النبي صلى الله عليه وسلّم ثم انصرف. قال: وقال مالك في رواية ابن وهب: إذا سلّم على النبي صلى الله عليه وسلّم ودعا يقف بوجهه إلى القبر، لا إلى القبلة، ويدنو ويسلّم ولا يمس القبر بيده. وقال في المبسوط: لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلّم يدعو، ولكن يسلّم ويمضي.

فهذا مالك لم يستحبّ إلا السلام خاصة، كما كان ابن عمر يفعل. قال نافع:

رأيت ابن عمر يسلّم على القبر، رأيته مائة مرة وأكثر يجيء إلى القبر فيقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت، ثم ينصرف. قال مالك في رواية ابن وهب يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. قال القاضي عياض: وعن ابن قسط والقعنبي: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا دخلوا المسجد مسّوا رمانة المنبر التي تلي القبر بميامنهم ثم استقبلوا القبلة يدعون.

فهذا المنقول عن الصحابة أنهم كانوا يدعون في الروضة من ناحية المنبر، لا من ناحية الحجرة، ويمسكون بميامنهم رمانة المنبر، وقد ذكرنا في مواضع اختلاف العلماء عند السلام عليه هل يستقبل الحجرة ويستدبر القبلة كما قال مالك، أو يستقبل القبلة كما قال أبو حنيفة؟ وفي مذهب أحمد نزاع. والمشهور عند أصحابه كما قال مالك، وفي منسك المروزي الذي نقله عن أحمد أنه قال في السلام على النبي صلى الله عليه وسلّم:

ولا تستقبل الحائط، خذ مما يلي صحن المسجد فسلم على أبي بكر وعمر. وقال:

فإذا أردت الخروج فائت المسجد وصلّ ركعتين، وودّع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمثل سلامك الأول، وسلّم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وحوّل وجهك إلى القبلة، وسل الله حاجتك متوسلا إليه بنبيه صلى الله عليه وسلّم تقض من الله عزّ وجلّ. فقد نهاه عن استقبال حائط القبر، وأمره إذا سلّم على الشيخين أن يأخذ مما يلي صحن المسجد، وهذا يقتضي أن يسلّم عليهم مستقبل الحجرة، بحيث يكون مستقبلا للمغرب مستدبرا للمشرق، والقبلة عن يمينه، ويسلّم عليه عند رأسه. فإذا أراد السلام على الشيخين أخذ مما يلي صحن المسجد لا يستقبل حائط المسجد من جهة القبلة، بل ينصرف عن يساره إلى رأسيهما فيسلم عليهما هناك. وهذا السلام واستقبال القبلة هو الذي يفهم من سلام ابن عمر، فإنه كان يسلّم قبل أن تدخل الحجرة في المسجد، ولم يكن حينئذ يمكن أحد أن يستقبل الحجرة ويستدبر القبلة، فإن قبلي الحجرة لم يكن من المسجد، ولا كان منفصلا طريقا، بل كان متصلا بحجرة حفصة وغيرها. فعلم أن ابن عمر وغيره من الصحابة لم يكن يمكنهم السلام من جهة القبلة جهة الوجه، بل كانوا يكونون إما مستقبلا أحدهم للقبلة والحجرة النبوية عن يساره، كما قال أبو حنيفة، أو يستقبل الحجرة ويستدبر المغرب كما قال أحمد. وهذا يوافق سلام ابن عمر وغيره من

<<  <   >  >>