وهي ثلاث روايات عن أحمد، لكن ظاهر مذهبه كالأول وهو قول أبي حنيفة، ومذهب الشافعي لا شيء عليه. وكذلك سائر المعاصي قيل فيها كفارة يمين وهو ظاهر مذهب أحمد. وقيل: لا شيء فيها، وهو المنقول عن الشافعي ومالك، وقيل:
إن قصد بها اليمين لزمته كفارة يمين، وهو مذهب أبي حنيفة والخراسانيين من أصحاب الشافعي.
فالجمهور لما اعتقدوا أن قوله:«لا تشد الرحال» مراده النهي، قالوا: هو سفر معصية، فلا يجوز الوفاء به وإن اعتقده الناذر قربة كما قاله مالك والأكثرون، ولهذا قالوا: لا يجوز السفر لمن قصد القبر سواء كان قبر النبي صلى الله عليه وسلّم أو غيره وإن نذره، ومن قال السفر إلى غير المساجد الثلاثة ليس بمنهي عنه ولا هو طاعة ولا قربة، قال: لا يجب الوفاء به لكنه جائز. ومن هنا يعرف مذهب الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما، فإن قالوا: إن من نذر السفر إلى غير الثلاثة يجوز له السفر، وإن لم يجب عليه كان قولهم بجواز السفر، وأن الحديث لنفي الفضيلة، كما قاله من قاله من المتأخرين.
وإن قالوا: إن هذا النذر لا يوفى به بحال لنهي النبي صلى الله عليه وسلّم أن يسافر إلى غير الثلاثة، كما قاله مالك وغيره؛ دل على تحريم السفر إلى غير الثلاثة، وهو لو نذر السفر للصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلّم أو المسجد الأقصى جاز له السفر باتفاقهم، وإنما تنازعوا في الوجوب؛ فمذهب مالك وأحمد أنه يجب، ومذهب أبي حنيفة لا يجب، وللشافعي قولان.
وقوله:«كيف تكون الرحلة إلى القربة معصية محرمة»؟
يقال له: هذا كثير في الشريعة؛ كالرحلة للصلاة والاعتكاف والقراءة والذكر في غير المساجد الثلاثة، فإن هذا معصية عند مالك والأكثرين، وكما لو رحلت المرأة إلى أمر غير واجب بدون إذن الزوج؛ كحج التطوع فإنها رحلة إلى قربة وهي معصية محرمة بالاتفاق. وكذلك العبد لو رحل إلى الحج بدون إذن سيّده كان رحيله إلى قربة وكان معصية محرمة بالإجماع. وكذلك المرأة إذا رحلت بغير زوج ولا ذي محرم لزيارة غير واجبة، ومثل هذا كثير. ولو كان الطريق يحصل فيه ضرر في دينه لم يكن له أن يسافر لا للحج ولا لإتيان المسجد وإن كان ذلك قربة، والمرأة بلا سفر لها أن تشهد العيد والجمعة بل والجماعة بلا سفر، وليس لها أن تسافر إلا مع زوج أو ذي محرم. ومن طولب بقضاء دين لزمه قضاؤه ولم يكن له أن يسافر بالمال الذي يجب صرفه في قضاء دينه، وإن كان قصده أن يتوسل بذلك السفر إلى الحج وغيره.
ففي مواضع كثيرة يكون العمل طاعة إذا أمكن بلا سفر، ومع السفر لا يجوز.
وصاحب الشرع قد قال: «لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام، ومسجدي