للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقتل ولدك خشية أن يطعم معك». قلت: ثم أي؟ قال: «أن تزاني بحليلة جارك» «١».

وأنزل الله تصديق ذلك: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان: ٦٨] الآية وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: ٤٨]. ومعلوم أن الأنبياء إنما وجب تعظيمهم لأنهم صفوة عباد الله، ولأنهم أمروا بتوحيده وعبادته، وبلّغوا أمره ونهيه، قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: ٢٥] وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: ٣٦] وقال تعالى:

وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف: ٤٥].

فالغلاة في المخلوقين كالنصارى ونحوهم من أهل البدع صاروا بغلوّهم مشركين، قال تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة: ٣١] وقال تعالى:

يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ [النساء: ١٧١] إلى قوله:

فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً [النساء: ١٧٢].

ومعلوم أنه إذا فرض ذنبان أحدهما: الشرك والغلو في المخلوق. والثاني:

نقص رسول من بعض حقه، كمن يعتقد في المسيح أنه صلب مع أنه رسول الله، ومعلوم أن نجاته ورفعه إلى السماء أعظم قدرا من أن يسلّط العدو عليه حتى يصلب، فلو نقصه رجل ذلك واعتقد أنه صلب، ولم يعلم أن القرآن نفى صلبه؛ كان هذا الخطأ دون خطأ من غلا فيه وأشرك به. ولو قال قائل: إنه لا تشرع زيارة القبور بحال لا بسفر ولا غير سفر، وقال آخر: بل يشرع السفر إليهم لدعائهم والتضرع لهم كما يفعله المشركون وأهل البدع؛ لكان هذا الشرك أعظم خطأ وضلالا من ذلك النقص.

فالشرك عند الله أعظم إثما، وصاحبه أعظم عقوبة، وأبعد من المغفرة من المتنقّص لهم عن كمال رتبتهم، فإنه إذا كان كلاهما كافرا، فكفر المشركين أعظم. وكل شرك بالله فهو تكذيب للرسل وتنقّص بهم، وليس كل من كذّب بعض ما جاءوا به يكون مشركا كافرا، مثل كثير من أهل الكتاب، فالشّرك أعظم الذنوب. وهؤلاء الجهال المضاهون للنصارى غلوا في التخلّص من النقص حتى وقعوا في الشرك والغلوّ وتكذيب الرسول الذي هو أعظم إثما، كما أصاب النصارى، فكانوا كالمستجيرين من الرمضاء بالنار، وكان ما فرّوا إليه من الشرك والغلوّ وتكذيب الرسل وتنقّصهم، أعظم


(١) أخرجه البخاري (٤٤٧٧) - انظر أطرافه هناك- ومسلم (٨٦).

<<  <   >  >>